"طبخة" التعديل الحكومي
لم يعد أي تعديل وزاري يحظى باهتمام الأردنيين، بل أصبح مادة للتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، فالناس أصبح لديهم قناعة بعد سنوات من التعديل المتكرر والسريع للحكومات بأن الوجوه الجديدة للوزراء، أو الجديدة القديمة، لن تحل أزماتهم المعيشية، وأن أي وزير مهما علا شأنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً، وهو لن يمكث سوى أشهر، هذا إن كان يملك القدرة على استعادة صلاحياته المسلوبة بالأساس.
وعلى ذلك، فإن الصورة النمطية التي تكرست عند الأردنيين أن تشكيل الحكومات أو تعديلها، ما هو إلا فرصة لتدوير الكراسي بين النخب وأصحاب المصالح، واعتقادهم أن ذلك يستنزف خزينة الدولة التي تشكو الطفر، وأن سياسات شد الأحزمة فقط على الغلابى، أما وأن نسجل في موسوعة غينس بأننا أكثر دولة بها وزراء متقاعدون فذلك لن يؤثر عليها بشيء!.
التعديل الوزاري لرئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور يعني وفقاً للتقاليد الأردنية أنه عمراً جديداً كُتب لحكومته، وأن شبح ترحيلها أصبح مؤجلاً، وبالتأكيد فإن النسور من رؤساء الحكومات الذين يملكون "دهاء" سياسياً، ويملك قدرة على المناورة، فالأصل أن حكومته جاءت كحكومة برلمانية، وبعد مشاورات "فشنك" مع الكتل البرلمانية، لم "يوزر" النواب تحت حجة سلامة الكتل البرلمانية، وترك الرئيس النسور حكومته رشيقة بأقل عدد من الوزراء في ظل دمج للوزارات لإيهام النواب بأن ضمهم قادم لا محالة، وبأنه ينتظر نضج العملية السياسية تحت قبة البرلمان حديث الولادة.
كل ما حدث بين الحكومة والبرلمان لم يكن أكثر من مناورة، فالحكومات البرلمانية شعار لم يتحقق منه شيء، واليوم يعود الرئيس بعد إجراء تعديل موسع في ظل غياب البرلمان، وكل "الشوشرة" عن الحكومات البرلمانية فقاعة غابت، ويطلق الرئيس في أول جلسة لمجلس الوزراء الجديد شعار المرحلة القادمة هي "الديمقراطية البرلمانية"، ولم نفهم ما هي محددات ومضامين الديمقراطية البرلمانية، وهل هي خطوة للوراء وانسحاب من الحكومات البرلمانية .. أم ماذا؟!.
أعاد النسور الوضع الحكومي إلى نصابه الطبيعي، فالوزراء الذين حملوا "بطيخة" أكثر من وزارة انتهى، والغريب أن الوزير نضال قطامين الوحيد الذي ظل بعهدته وزارتين، وهما العمل والسياحة، وكلا الوزارتين يحتاجان جهداً وتفرغاً، فالسياحة عصب الأردن ومستقبله، والذي لا تهتم للأسف له الحكومات المتعاقبة، والعمل عنوان الأزمة في ظل البطالة، والظروف الاقتصادية الصعبة!.
لا مفاجآت كثيرة في التعديل الوزاري، وما لفت الانتباه توزير محمد الذنيبات للتربية والتعليم، وهو الرقم الثاني بالحكومة، وكان من قيادات الاخوان المسلمين، وحين وقعت اتفاقية السلام كان في حكومة عبدالسلام المجالي ولم يوقع محضر مجلس الوزراء بإقرار اتفاقية السلام.
خروج بعض الوزراء من حكومة النسور كان متوقعاً مثل وزير الثقافة الذي تعرض لانتقادات واسعة لا أؤيد أكثرها، ولكن المفاجئ هو خروج وزير الأوقاف محمد نوح القضاة، وانتشار رواية أنه قدم استقالته، وما كتبه على صفحته على الفيسبوك فيه تلميحات عن مشاكل لم تُفهم ولم تُعرف؟!.
أكثر المفاجآت الإيجابية والسلبية في آن معاً، هو دخول الدكتور خالد كلالدة وزيراً للتنمية السياسية والشؤون البرلمانية، فمن المؤكد أن قدرة النسور على ضم واحتواء الكلالدة تسجل له، وتعطي إشارات إيجابية لبعض المعارضين الذين يتوقعون أن يقوم الكلالدة بترميم مسار الإصلاح السياسي في البلاد.
مشاركة الكلالدة عرضته لحملة انتقادات واسعة، فالمعارض أصبح بين ليلة وضحاها وزيراً في حكومة لا تحظى برضى الناس، ومتهمة في نظرهم دون أن يقدم توضيحاً لماذا شارك؟.
وللإنصاف؛ من حق الكلالدة أن يشارك بالحكومة، فالعمل السياسي والتغيير يتم من خلال العمل بالداخل، ولكن ضمن ثوابت وشروط، وليت الكلالدة يخبرنا ما هي الشروط التي وضعها على الرئيس النسور لقبول المشاركة بالحكومة حتى نعرفها، وحين لا يستطيع تنفيذها أو يفشل يصبح لزاماً عليه الاستقالة؟!.