قتل النمر رياضة ودفاعه عن نفسه شراسه
مثل الانقلابيين كمثل الغاص بالماء ، فسدت عليهم بطانتهم فطغوا وبغوا وعاثوا في الارض فسادا ، وجاسوا خلال الديار ، فجاء فعلهم شوكة في حلوقهم ، وطبع على قلوبهم فاصبحت غلفا ، ولم يعلموا ان كل الطغاة على مدار التاريخ تخيلوا في انفسهم القدرة على مجاراة الكون في سننه ، او مصارعة احداثه وثوابته ، فنصبوا لذلك افخاخهم بايديهم ، وستكون نهايتهم الحتمية كما كانت نهاية امثالهم ، اركسوا وكبتوا كما كبت الذين من قبلهم ، وذلك دليل كاف على سذاجتهم وسوء صنيعهم ، او لعلهم من انصار تلميذ افلاطون الذي عارض استاذه وزملاءه وبرهن على ان الانسان يجب ان يكون ظالما ، فما اقنع ذلك سقراط ولا افلاطون ، لقد سموا قتلهم النمر رياضة ، وقتلهم الناس امنا سيادة ، وعندما اراد النمر الدفاع عن نفسه سموه شراسة ، وعندما اراد الشعب حريته سموه ارهابا وعنفا وطغيانا ، لقد عملوا تحت ذرائع غريبة عجيبة ، بالصاق تهمة العنف بالاسلاميين واتباعهم ، فعملوا بالمثل القائل اذا لم ينفعك البازي فانتف ريشه ، فكانت استراتيجيتهم تقوم على تفجير موجات العنف ، وتوسيع حملة التخويف وترهيب الناس وترويعهم ، واستخدام تلك المظلة كغطاء لشن حملة قمعية دموية ، فمارسوا عنفا ممنهجا في رابعة العدوية والنهضة ، وكل ميادين وحارات مصر وشوارعها وازقتها ، ضد انصار الشرعية المنتخبة ، فزرعوا القتل والتقتيل والخوف والرعب في كل الانحاء ، والخوف ان يبقى الخوف خوفا وذعرا ورعبا (فان الشيء الوحيد الذي يجب ان نخافه هو الخوف نفسه) كما قال روزفلت ، فهو يولد هلعا وجزعا ،وطغيانا وظلما ،ودمارا وخرابا ، فالظلم مؤذن بخراب العمران في البلاد التي وصفها ابن خلدون بانها لا اوفر منها في الحضارة ؛ فهي ام العالم وايوان الاسلام وينبوع العلم والصنائع كما قال رحمه الله .
كان هدفهم خدمة مخططات ودسائس اسيادهم من العرب والعجم ، وايجاد ذرائع بقاء حكمهم العسكري " فالتشبث والاصرار الاحمق ؛ لهو غول ووحش اصحاب العقول الصغيرة ، يتعبد في محرابه كذلك صغار السياسيين والفلاسفة ، وبمثل هذا الاصرار او التشبث الاحمق لا يعود لدى النفس العظيمة ما تعمله او تنجزه " والقول لاميرسون .
ان عليهم ان يتعلموا - ولو بصورة فجة غير متكاملة - من دروس وعظات التجارب الماضية ، انهم لا يلبثوا ان يدركوا بفطرتهم - ان كانت سوية - حقيقة التكاليف والمنافع والمخاسر الاجتماعية والادبية والانسانية التي تنطوي عليها قراراتهم ، كما عليهم ان يحسبوا مدى ما تحتاج اليه تلك القرارات من تغيير وتعديل ، او حتى نبذ اذا اقتضى الامر، تخطي مشاكل جديدة او مواجهة معضلات وقضايا طارئة ، فدولة بدون تلك الوسائل المؤدية إلى بعض التغيير تكون دولة بلا وسائل تحميها وتحفظها.
ان الواقع يقول : انه كلما كانت سياسات الافكار اكثر قدرة على التهديد بانقسام الشعب فان الجدل والحوار السياسي يغدو عندئذ اكثر ضرورة واشد عزما وجدة ، فالمشهد في مصر هذه الايام لا يسر صديقا او يشمت عدوا ،لانه يوحي بردة ديموقراطية حيث استولت المؤسسة العسكرية على السلطة واستفردت بها ؛ فتراجعت نهضتها السياسية المأمولة ، وانهار اقتصادها الناشئ ، وتسمرت انشطتها بمختلف جوانبها الاجتماعية والصناعية والتجارية ...
وها هي مصر اليوم ، اصبحت نهبا تتعرض لضغوط حادة من كل الجهات ، وتفتحت عليها عيون الدول والمنظمات والمؤسسات العالمية تستغل ازمتها ، لان التحول فيها سوف يخلق عواقب بعيدة المدى على المنطقة برمتها.ان جنون الرغبة الجامحة لدى العلمانيين والفاشيين واسيادهم في اميركا والغرب ومن العرب ، جعلهم يؤيدون الاسلوب الديكتاتوري للمؤسسة العسكرية واجراءاتها القمعية ، انهم يخططون مع اسيادهم لعلمنة مصر بنظام حياة شامل ، كما يريدون فرض نظما سياسية في الدول الاسلامية تتماهى مع رؤياهم العلمانية ، وهو ما يتنافى بل ويصطدم مع اهداف ومبادئ الاسلام السياسي والاجتماعي الذي زجوه في عين العاصفة ، واتهموه بالرجعية والتخلف والعنف والارهاب ، ففي مصر اليوم يسيطر الغوغائيون من البلاطجة والمنتفعين وفلول نظام مبارك تحت غطاء مظلة العسكر الذين وقفوا سويا للاطاحة بالحكومة المنتخبة وقد فعلوها ، ليس هذا وحسب ، بل وقد قلبوا معادلة الظلم ، فصبوا اللوم ونسبوا اسباب ما يحصل على المظلوم ، وليس على الظالم ، هذا هو فكرهم ،وهذه هي ثقافتهم الجديدة ، كاحوال الانقلابات الفلكية الصيفية منها والخريفية فانتقلت عدوى الانقلاب الفلكي إلى الانقلاب العسكري ، وما خفي كان اعظم !! لقد لام اليهود من قبلهم الفلسطينين (الضحية) ، ونكلوا بهم وقتلوهم وسلبوهم ارضهم ؛ لانهم عارضوا استيطانهم .
ان قلب اللوم وادعاء الاسباب والصاقها بالمظلوم نزوع عميق لدى كل ظالم وجلاد يحاول تبرير افعاله والقاء الذنب على الضحية ، ولا يستغرب ذلك من المتسلطين وهواة الشر وثقافتهم في لوم الضحية وذبحها ، والصاق التهم بها ، فهذه هي ثقافتهم الاجتماعية المريضة تتماشى مع نظرية عالمهم المنصف وعلمانيتهم العتيدة !!