السياحة عندنا .. والسياحة في شرم الشيخ
رغم كل الظروف الأمنية التي تعيشها مصر وخاصة سيناء، فإن مدينة شرم الشيخ شهدت "نزوحاً" أردنياً لا مثيل له خلال إجازة العيد، فلقد أبلغني ممثل أكبر شركات السياحة المصرية أن 18 طائرة أردنية هبطت بمطار شرم في يوم وقفة عرفات.
لم تتعافى شرم الشيخ كما كانت قبل ثورة 25 يناير، ولكنها لا تفوت مناسبة مثل عيد الأضحى لتنهض، وتعوض خسائرها، وتستقطب سياحاً من العالم العربي وخاصة من الأردن، بالإضافة إلى حرصها هذا العام وبشكل مختلف على الترحيب بالمصريين في شرم التي كانت زيارتها صعبة المنال للكثير منهم، وصارت الآن محجاً لهم، ويسهموا بذلك في تعويض خسارة السياح الأجانب.
شرم الشيخ قصة نجاح تستحق أن تدرس، وبالأردن بالذات لأننا نريد أن نعزز حالة السياحة سواء في العقبة أو في البتراء ووادي رم، وكذلك في البحر الميت وجرش ودبين وأم قيس، وليس مفيداً للقائمين على صناعة السياحة في بلدنا أن يقدموا الذرائع والحجج عن الاختلاف بين سياحة شرم الشيخ والأردن.
سألني أصدقائي، لماذا فضلت أن تذهب في إجازة العيد إلى شرم الشيخ بدلاً من الذهاب إلى العقبة؟!.
باختصار؛ فإن سعر الغرفة في العقبة لإقامة شخصين مع الإفطار وصلت إلى حدود 250 ديناراً مع الضريبة والخدمة، فإن كانت لديك عائلة صغيرة فإنك ستحتاج إلى غرفتين، وإن أمضيت ليلتين هناك فإن قيمة إقامتك ستصل إلى ألف دينار دون الأكل والشرب، في حين أنك تستطيع أن تمضي أربعة ليالي في شرم الشيخ شاملاً كل الوجبات والمشروبات بنفس سعر العقبة أو أكثر قليلاً.
والأهم من الكلفة الاقتصادية، وهو ما يسأله كل الناس، ماذا ستفعل في مدينة مثل العقبة لا تتقن صناعة الترفيه، ولا تجد ما تفعله فيها سوى شواطيء رائعة وخدمة فندقية جيدة؟!.
شرم الشيخ التي تحوي 50 ألف غرفة فندقية مدينة تعج بالحياة، كل فندق لديه فريق للترفيه يعمل ليل نهار، فمن الصباح تمارين وألعاب بحرية وأماكن ترفيه خاصة بالأطفال، وفي المساء حفلات كل يوم تختلف عن الآخر، وقد لا تحتاج حتى إلى الخروج من بوابة الفندق.
ولكن إذا شعرت بالملل فهناك سوق "نعمة بيه"، وهو فقط شارعين لا يصل طولهما كيلومتر، ولكنهما حكاية وقصص تروى، وناس لا تهدأ ولا تنام.
حين تسمع عن واقع السياحة في الأردن ومعاناتها تتألم وتتحسر على وضعنا، فنحن ندفع كلفة الربيع العربي والاضطرابات مع أننا بلد آمن ومستقر، ويضاعف من سوء حالتنا أن السياحة على ذيل أجندة الحكومات، وميزانية وزارتها هي الأقل، ويكفي أننا غيرنا أربعة وزراء سياحة في عام.
ويزيد الطين بلة، بدلاً من أن تُحمى صناعة السياحة وتعفى من الرسوم والضرائب، فإن الضرائب زادت هذا العام، وأسعار الكهرباء ارتفعت، وهكذا فإن قدرتهم على المنافسة تقل، حتى تصبح المشاريع السياحية مهددة في الإغلاق، وخير شاهد على ذلك ما يحدث في مدينة البتراء التي أصبحت إحدى عجائب الدنيا، ولكن الاحتفالية بها استمرت عاماً ثم أصبحت مدينة منسية!.
الأردن يتمتع بكل مقومات النجاح سياحياً، تنوع مناخي، سياحة تاريخية، أفضل الخدمات الفندقية، أماكن فريدة لا تتكرر بالعالم مثل البحر الميت والبتراء، ومع ذلك فإننا بيئة طاردة سياحياً، والبركة في الحكومة التي تتباكى على الوضع الاقتصادي ولا تفعل شيئاً لإنقاذ السياحة "بترول" الأردن، واصحاب المشاريع السياحية الذين يشكون الطفر، ولا يحاولون الابتكار والتجديد وطرح أسعار منافسة!.