استخدام السياسات في الوقت الخطأ!!!
إن الناظر إلى الواقع الاقتصادي والسياسي الأردني وما تُمارسه الحكومات قياساً على تملكه من مواهب و خبرات ومهارات وامكانيات يُصاب بالأسى والصدمة معاً، و نحن نرى المُخضرمين من جهابذه السياسة والاقتصاد والتعليم والاجتماع ممن يتحدثون عن الدول وبنائها وإعادة تفكيكها واصلاحها ويتبارزون في تقديم الحلول لمشاكل الدول الكبيرة والصغيرة والمتوسطة وما كان وما يجب أن يكون ، ويحملون من المؤهلات ما تعجز عنه الجمال والجبال يشبعونك تنظيراً عن الاصلاح والنزاهة والشعور الوطني !!! ويشبعونك غزلاً بالقيم النييلة والأخلاق الحميدة والسِيَرْ الحسنة والجهود المُخلصة والمميزة والاصلاحات الجذرية والانجازات المشهودة والمفاهيم الفريدة التي ادخلوها إلى الإدارة العامة في الأردن والتي تصلح لان تُدَرس في الجامعات غير العربية تللك التي حصلت على المراتب الأولى في علم الإدارة على المستوى العالمي!!!.
كل هذا وأكثر تسمعهُ من المسؤول في الصف الأول أو من زملائه في حفل الوداع الذي يُقام في العادة أكثر من مرة لنفس المسؤول في السنة احتفالاً بمغادرته المنصب و أو استلامه للمنصب الجديد وإذا أردت مزيداً من الأطناب في ذكر المحاسن والانجازات فاستمع إلى ما يُقال في حفلات التأبين لترى أن منديلا وديغول وكسينجر وكالاهان وجابونتسكي وابن خلدون عدا عن لينين وماوسي تونج وذو القرنيين كانوا تلاميذاً فيما حققوه من انجازات لبلدانهم وللعالم والبشرية بجانب الفقيد وعندما يتشدقون بالحديث عن الأردن فهم حريصون دائماً على تقديمه كبلد ضعيف فقير قليل الامكانيات, وأن كل ما تُشاهده من نهضة وانجاز في هذا البلد كان بفضل مساهماته هو وزملائه الأشاوس ممن تقلبوا على كل المناصب فمنهم من تقلد المنصب الوزاري لعدد من المرات ولعدد من الوزارات فقد كان كالجوكر في لعبة الهند الشعبية المعروفة يصلح في كل الأماكن حتى عندما يتقاعد ترافقه الهيبة خوفاً من عودته إلى المواقع الذي يبقى مشتاقاً لمعاليه ينتظرعودته مع التعديل أو التشكيل الجديد ليأتي بقدرة قادر وزيراً للداخلية بعد أن كان وزيراً للإعلام أو الثقافة أو التربية فصديقنا يَصلح لكل الوزارات ولكل مجالس الإدارة ومواقع المسؤولية الأخرى؟؟!!!.
استطاعت الحكومات تقديم الأردن على أنه بلد ضعيف وبلا امكانيات واستطاعت إقناع البعض ممن لا زالوا يثقون بما تقول الحكومات حتى تبقيه كذلك وتضمن توزيع الانجازات على الفئة المتنفذة ومن يدور في فلكها وتبقى البلاد تراوح في مكانها ، وعلى فرض أن الامكانيات كذلك فهي ليست أقل من الامكانيات الموجودة في سنغافورة وفنلندا واليابان وسويسرا ومن يقول أن لدي هذه البلاد ثروات طبيعية أكثر من الأردن فليعددها وليقول لي كيف اصبح الإقتصاد الياباني الثاني في العالم لعقود بعد أن تم تدمير البابان ومُدنها الرئيسية بالقنابل النووية وتم تدمير مصانعها ومؤسساتها وكذلك المانيا عندما تم تقسيمها وتدميرها بالكامل واستباحتها من قبل الحُلفاء في الحرب العالمية الثانية في كتابه المعنون بـ "السياسة الاقتصادية لليوم والغد"، يقول لودفيغ فون ميزس "لا توجد في السياسات الإقتصادية معجزات، لقد قرأتم في كثير من الصحف والخطابات ما يسمى بالمعجزة الاقتصادية الألمانية - إعادة بناء ألمانيا بعد هزيمتها وتدميرها في الحرب العالمية الثانية - ولكن ما تم لم يكن معجزة، وأضاف أن "كل بلد يمكن أن يحقق تلك "المعجزة" عبر إعادة البناء الإقتصادي، مع أنني أجد من الضروري التأكيد بأن الانتعاش الإقتصادي لا يتأتى من معجزة، بل أنه يأتي نتيجة تطبيق سياسات إقتصادية سليمة بالتأكيد ليست سياسية دولة الرئيس عبدالله النسور في رفع الأسعار وزيادة الضرائب وإلغاء الدعم للطبقة الفقيرة.
لم يعد فرض الرسوم والضرائب من قبل الدولة يقتصر على تأمين ايرادات للخزينة بهدف تأمين النفقات إذ لم تعد الضريبة والرسوم وفقاً لذلك غاية بحد ذاتها وإنما وسيلة تسعى الدولة من خلالها لتطبيق سياساتها التدخلية وتحقيق غاياتها الإقتصادية والإجتماعية فقد اصبحت الضريبة والرسوم إضافة إلى أدوات أخرى( الفوائد والأسعار والأُجور ) من أهم الأدوات المالية والإقتصادية لتحقيق أهداف الدولة المرسومة في سبيل التأثير في توجهات القطاع الخاص والعام لتشجيع سياسات الإنتاج وتعزيز مستوى المعيشة ورفع معدلاتها وتوجيه مسارات التسويق والاستهلاك وتوزيع الناتج القومي واصبحت الضريبة أهم وسائل وأدوات تشجيع التنمية الإقتصادية والإجتماعية وتحقيق المستوى المُستهدف على الصعيد المحلي للإقتصاد الوطني وعلى مستوى كافة القطاعات والأنشطة لدعم الإنتاج وتحقيق التنمية المُستدامة وأن استخدام هذه السياسات يستوجب توقيتها وفهم أهدافها وغاياتها وآثارها المُتداخلة والمُتقاطعة والمُتعاكسة أحياناً وليس من ضمن أهداف أية سياسات مالية أو ضريبية أو إقتصادية لأية دولة تنفيذ تعليمات صندوق البنك الدولي ، فلم يأت البنك الدولي يوماً بخير الشعوب بل يُكرس التبعية والاستعمار وتجيير مصالح وقرارات الدولة لصالح قوى عالمية عابثة تعشق رهن وامتصاص خيرات الأمم ومقدراتها فقد اصبحت سياسة الخضوع والسلبية والتبعية من أهم السياسات التي تمارسها الحكومة الأردنية.