الأمير الحسن: الأمن الإنساني هو السبيل لنشر ثقافة السّلم في العالم
المدينة نيوز- قال سمو الأمير الحسن بن طلال إن ثقافة الأمن الإنساني هي السبيل لنشر ثقافة السّلم في العالم والتواصل فيما بيننا في القضايا التي تشتمل على السّلم الاجتماعي والأُسري، مثل أطفال الشوارع واللاجئين والمهمشين والغذاء والتسلح والطاقة؛ مشيراً إلى أن مسار هلسنكي، بدايةً بالأمن الأساسي النووي والتسليحي غير التقليدي مروراً بالأمن الظرفي، يدعونا إلى أن نستذكر قول الله تعالى: "الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
وأضاف سموه، في كلمته المتلفزة التي افتتح بها أعمال مؤتمر "الدين وثقافة السّلم في العالم" في تونس اليوم الثلاثاء، أن الإسلام والتعليم وثقافة السّلم يشكلون جزءاً أساسيّاً مما يسمى بالقاعدة الذهبية في التعامل بالمِثل، والتي نجدها في ديانات العالم الكبرى منذ أقدم الزمان، وتشدّد على أنه يجب على الإنسان أن يتمنى للآخر ما يتمناه لنفسه.
وشدد سموه على أن "إعمار حياتنا على هذه الأرض، وتفعيل التلاقي بين الدين وثقافة السّلم في وعي الإنسان وسلوكه وعمله لا يتحقّق من دون بناء الذهن وإعمار النفس. وأعود إلى الأماجد من رواد حقوق الإنسان في الإسلام؛ إلى الإمام عليّ زَيْن العابدين بن الحسين – رضي اللهُ عنه – ورسالته في الحقوق، فأقول: إن حقوق الإنسان هي تلك الحقوق التي تُحترم في مكانٍ ولا يُلتفت إليها في مكانٍ آخر. هكذا هو الحال اليوم، عندما نتحدّث عن الكيل بمكيالين، ولا أتحدّث عن الآخر فقط، لكنني أكون صادقًا مع نفسي وصادقًا معكم إن قلتُ إن الاقتصاد فقد عقله، مثلما يقول أحد كبار الاقتصاديين المعاصرين، وبِفَقْدهِ لعقله فَقَدَ العالَم توازنَه وكانت الأزمة الأخيرة. فبلغتِ الفردانية النفعية أقصى مداها وأُصيب المجتمع والأخلاق والإنسان في صميم القلب".
وأكّد الأمير الحسن، في المؤتمر الذي يعقد بالتعاون بين المعهد العالي لأصول الدين بتونس ومؤسسة كونراد أديناور، أن "دور الدين يكمنُ في عقول أتباعِهِ ومسالِكِهِم. فهؤلاء مدعوون إلى أن يعودوا إلى الأصل والنبع، أيْ إلى تَمثُّلِ معنى الدين وماهية الدين، منْ حيثُ إنّ الدين تقوى وهداية ورحمة ومعاملة طيبة وسلوك أخلاقي إنساني، وحياة روحية تُخرِجُ الإنسان من حالة اللا رُشْدِ إلى حالة الرُشْدِ والعقل والروح والنور".
أما دور الفضاء المدني، كما قال سموّه، فيكمن "في العودة إلى قيم التنوير الأساسية الحقيقية، وفي بذل الوُسْع... من أجل الخروج من حالة اللا رُشْدِ التي تلبّسَت الانحراف الفرداني النفعي الأداتيَّ الشرس والدخولِ في حالة الفِعْل والتواصل بين الشعوب والثقافات والعقائد والديانات، ووضعِ حدٍّ لهذا السَّفَه الذي تَمَثّلَ في استفزاز العقائد المختلفة وسبل الخلاص الروحي المتباينة، وفي الإساءة إلى المقدَّس الديني وإلى الإنسان نفسه، إساءةً لا ينجم منها إلا اضطراب السّلْم الاجتماعي والتفاهم والتقارب والتعاضد بين الشعوب والثقافات والفضاءات البشرية".
وقال سموّه "في السياق الذي يتقلب فيه التفكير في موضوع هذه الندوة: (الدينُ وثقافةُ السّلمِ في العالم)، ينبغي أنْ يكون حاضراً في أذهاننا أنّ انحرافاً عظيماً في الحضارة الإنسانية الحديثة والراهنة قدْ نَجَم. الفضاء الديني مصابٌ. والفضاء المدني مصابٌ أيضاً. في الفضاء الديني، وبخاصةٍ في فضائنا نحن المسلمين، اتّخذَتِ الاستجابة شكلاً مريراً، إذِ استبدّتْ بالنفوس والعقول أسباب الغضب والنفور والانفصال والمجابهة، في أحشاء مجتمعاتنا نفسها، وفي علاقاتنا بالعالم الخارجي، واشتدّ هذا الغضب لكيْ يتخذ شكل الخروج على آداب الإسلام نفسه ومبادئه وغاياته. ولمْ يُطِقِ العقل الإسلامي والحساسية الوجدانية الإسلامية تعدياتِ الجَوْرِ والظلمِ الدولية والمحلية فجَنَحَ إلى اختيار السبيل المضادة للسّلم والحوار والنقاش، ووجّه احتجاجاته المادية إلى المسلمين قبل غيرهم. وجميعنا يدرك هذه التجاوزات ويشكو منها ويطلب ردّ الأمور إلى نصابها والعودةَ إلى ينابيع الدين الأصيلة وإلى غاياته في العدل والرحمة والكلمة الطيبة والجدل الحَسَنِ".
وأضاف الأمير الحسن أنه لا بدّ من الاستثمار في الأمن الحقيقيّ، الإنسان الجمعي. "وهنا يجب نبذ الفردانية والرقي بالإحساس بالمسؤوليّة تجاه الأجيال القادمة. لا بد أن ينتقل هذا المجتمع العربي من القوْل إلى الفعْل، ومن التنظير إلى التّطبيق. وفي هذا الصّدد، لعلّ أهمّ هدفٍ استراتيجيٍّ لنا هو صوْغ مسوّدة قانونٍ عالميّ للسّلْم يُسهم في بناء عالمٍ أكثر تراحما، وأشدّ تضامنا وأعمق تفاهماً".