سوريا... جرحى على مدار الساعة
المدينة نيوز - ليست إحصائية لأحد المواقع المتخصصة بتوثيق انتهاكات النظام السوري, تقول إن "جريحا يسقط كل عشر دقائق بسوريا على يد النظام" مفاجئة، كما رأى ناشطو دمشق وريفها فيها، وفق استطلاع أجرته الجزيرة نت، انعكاسا للواقع بكل معاناته وآلامه.
فمع توقف عشرات المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل وغياب الخدمات الطبية والرعاية الصحية اللازمة، تتفاقم تلك الإصابات مخلفة نتائج قد تكون غير قابلة للعلاج في المستقبل.
وتفيد تقارير منظمة الصحة العالمية بأن أكثر من نصف مستشفيات سوريا تعرضت للتدمير، وهجر أغلب الأطباء والعاملين في المجال الصحي، ناهيك عن فرض النظام حصارا مطبقا على الكثير من المناطق الخارجة عن سيطرته. كما أدت هذه العوامل مجتمعة إلى استحالة تقديم الخدمات الطبية حتى في أدنى مستوياتها.
ويُخلف هذا الواقع الكارثي، وفق سكان دمشق وريفها، آلاف الجرحى، معظمهم شباب تغيرت حياتهم بسبب إصابة لم يتمكنوا من علاجها في الوقت والطريقة المناسبة.
معاناة محمد
ولكي نقترب أكثر من هذا الواقع، زارت الجزيرة نت محمد (أحد جرحى القصف) الذي يقول والابتسامة تعلو ثغره إنه بات يستطيع ثني ركبته قليلاً بعدما ظل عاجزاً عن الحركة لعدة أشهر، وذلك بسبب إصابات متتالية تعرض لها أدت لكسور مضاعفة في قدمه وركبته.
فمحمد، المقيم في غوطة دمشق الشرقية، تعرض لقذيفة هاون أحدثت شظاياها كسوراً في عظام الفخذ والركبة. وبعد خضوعه لعدة عمليات استطاع المشي لكن ليس بشكل سليم، إلا أنه تعرض لإصابة أخرى أدت إلى كسر في الركبة ذاتها.
وخضع مرات عدة لعلاج مناسب لحالته في المشافي الميدانية الموجودة ضمن المنطقة، لكن عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل غرفة العمليات لعدة ساعات، إضافة لندرة توفر المواد المخدرة، حال دون إجراء العملية المناسبة.
"أحتاج إلى استبدال ما يسمى صابونة الركبة وهي بالطبع غير متوافرة هنا في الغوطة"، يقول محمد إنه لا يملك الخيار للخروج إلى دمشق أو خارج سوريا للعلاج، باعتباره مطلوباً للنظام بسبب نشاطه الثوري.
وإزاء ذلك لم يبق لمحمد خيار سوى البقاء والانتظار، وخصوصا أن الأطباء أكدوا له أن قدمه لن تعود كما كانت وأنه لن يتمكن من السير بشكل طبيعي طوال حياته.
لكن المفارقة أن ذلك لم يترك عنده أي شعور بالمرارة، ويختم "رغم أنني خسرت للأبد شيئاً من جسدي إلا أنني أمتلك ما يكفي من القوة والإيمان بأننا سننتصر، لأن الثمن الذي دفعته لا يبدو كبيرا مقارنة بغيري الذي ضحى بنفسه من أجل بلده".
تُفطر القلب
ننتقل إلى منزل وليد، شاب في مقتبل العمر، حكايته تُفطر قلب كل من يسمعها، فقد أصيب بقذيفة دبابة من مسافة قريبة في فبراير/ شباط الماضي في حي جوبر الدمشقي، وتم إنقاذ قدمه اليسرى من البتر بعمل جراحي معقد في المشفى الميداني.
غير أن وضعه بعد ذلك ساء كثيراً، فبسبب عدم توفر ظروف التعقيم المناسبة ونقص المواد الضرورية بدأت بوادر الغرغرينا (موت الأنسجة) بالظهور على الساق مما أعاد احتمال البتر مرة أخرى، فلم يعد له خيار سوى محاولة الخروج لبلد مجاور للعلاج.
وهنا كانت لوليد رحلة أخرى مع الموت، فالخروج من سوريا بشكل نظامي لم يكن أمراً متاحاً، لأنه ناشط في المجال الطبي منذ بداية الثورة ومطلوب للنظام السوري، فقرر سلوك طريق سري مصطحباً معه أحد أصدقائه ليقوم بمساعدته أثناء رحلة العلاج.
في الطريق -يتابع وليد- اعترضهما حاجز للنظام، وأطلق عليهما الرصاص، مما أدى لإصابة مرافقه وبتر ساقه اليمنى، وأصيب وليد بكسر في ساقه اليسرى، ويقول للجزيرة نت، إن حياة كليهما أصبحت مهددة بالخطر بسبب صعوبة تنقلهما في الطرق الوعرة وإصابتهما بالغرغرينا (موت الأنسجة) ولكنهما تحاملا على جروحهما وتابعا المسير.
ويخلص "خضعنا لبرنامج علاجي طويل في الدولة المجاورة، وبقي زميلي هناك في انتظار فرصة لتركيب طرف صناعي، أما أنا فعدت إلى الغوطة الشرقية وأنتظر تركيب قضبان في قدمي مما يعوضني عن تركيب جهاز للتثبيت الخارجي".
وينتظر وليد اليوم الفرصة المؤاتية لإدخال الأدوات والمواد المطلوبة لعلاجه إلى الغوطة، إذ أن المخاطر الأمنية حتى اللحظة ورفض العديد من الشركات الطبية محاولة إدخال الأجهزة خوفاً من الخسائر المادية تحول دون تلقيه العلاج الذي قد يمكنه من السير بشكل طبيعي مرة أخرى.