الهجرة السرية.. حلم يرسو على رصيف الشقاء
المدينة نيوز - قادما من المغرب، وصل عبد الحميد الشكري إلى بلجيكا قبل ست سنوات بحثا عن عمل كريم يؤمن له مستقبلا بدت معالمه غامضة في وطنه.
بلجيكا كانت أفضل وجهة لجوء بالنسبة للشكري حيث يعيش عمه منذ ستينيات القرن الماضي وتقيم أخته المتزوجة من أحد المهاجرين.
الشكري -الذي لا يزال يقيم تحت مسمى "مهاجر مقيم من دون أوراق قانونية"- سكن عند أخته أولا، لكن ضيق منزلها أجبره على استئجار شقة صغيرة وهو يعمل حاليا حمالا للصناديق بأحد الأسواق.
قسوة القانون
وعندما يضيق حمّال الصناديق ذرعا بعدم شرعية وضع إقامته، يقابله المحامون بحقيقة قاسية وهي أنه لا يحق له الحصول على أوراق ثبوتية، ليتساءل كم سنة سيعيش في هذا البلد دون وثائق قانونية؟
وللخروج من هذا المأزق، حاول الشكري العزف على وتر اللجوء السياسي لكن الرد كان سلبيا لعدم امتلاكه أدلة تثبت معاناته أو اضطهاده في بلده الأصلي.
محاولات الشكري "الفاشلة" استغرقت حوالي أربع سنوات التحق خلالها بدورات تكوينية ومارس بعض المهن بشكل مؤقت كما تعلم اللغة الفرنسية.
هذا الضنك الذي ينغص يوميات الشكري لم يخطر بباله عندما خاطر بركوب البحر وعبر من المغرب إلى إسبانيا ومنها توجه برا لبلجيكا في رحلة كلفته الكثير من المال.
لكن حالة الشكري ليست فريدة من نوعها، إذ يغامر كثيرون بركوب البحر هربا من جحيم الفقر وينتهي بهم المطاف أشقياء يتسكعون على أرصفة جنة تحول حلم دخولها إلى كابوس.
وقبل الوصول لأوروبا لا تخلو رحلات الهجرة السرية من المخاطر، حيث يتخطف الموت القوارب الصغيرة ويحيل راكبيها لمجرد أرقام في قوائم الموتى والمفقودين.
وقد خلف غرق باخرة للمهاجرين السريين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أكثر من 130 قتيلا على مقربة من شواطئ جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، في حين بلغ عدد المفقودين أكثر من مائتين.
وبحسب شهادات الناجين من الغرق فإن العدد الإجمالي للركاب كان يتراوح بين أربعمائة وخمسمائة مهاجر.
أوروبا والمأساة
هذه المأساة دفعت زعماء الاتحاد الأوروبي لتشكيل لجنة عمل خاصة للتعامل مع ملف الهجرة السرية وما يكتنفه من مخاطر وتحديات.
اللجنة قدمت في تقريرها الأربعاء مجموعة من المقترحات بهدف تعزيز السياسات والأدوات المستعملة على المدى القصير والمتوسط، لمواجهة مثل هذه المآسي.
وتشمل الإجراءات الملموسة المقترحة مجالات رئيسية هي مراقبة فعّالة للحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وتعزيز المساعدة والتضامن بين الدول الأعضاء، ومكافحة عمليات الاتجار بالبشر والتهريب والجريمة المنظمة.
وتضم الإجراءات الجديدة تفعيل البنود المتعلقة بإرجاع المهاجرين إلى بلدانهم، وتحديد الطرق القانونية للوصول إلى أوروبا، وتعزيز التعاون مع البلدان التي تشكل مصدرا أو معبرا للمهاجرين.
وخلال ندوة نظمتها اللجنة يوم الأربعاء، اعتبرت المفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية سيسيليا مالمسترو أن "هذه المقترحات تمنح أرضية جيدة لاستجابة أوروبية موحدة لهذا الملف".
ودعت الدول الأعضاء للاستفادة من هذه الفرصة لإبراز أن الاتحاد الأوروبي "مبني على مبادئ التضامن والدعم".
ومن المنتظر أن يتم اعتماد هذه المقترحات في اجتماع وزراء داخلية دول الاتحاد خلال هذا الأسبوع قبل إقرارها بشكل نهائي في القمة الأوروبية المقبلة.