الليلة الأخيرة ... ديالوج
أشار للتكسي بالتوقف وصعد إليه مبادرا ً السائق بالتحية:
+ "ألسلام عليكم" !
- "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... إلى أين إنشاء الله" ؟
+ "إلى اُم العروبة ... إن شاء الله".
- "توكلنا على الله ... وأين تقع اُم العروبة هذه" ؟
+ "ألا تعلم" ؟
- "كلا" !
+ "وكيف ذلك ... ألا تقرأ الصحف ... يا أخي" ؟
- "بألتأكيد" !
+ "إذا ً ..." !؟
- "ولكنني لم أسمع بهذا الإسم من قبل".
+ "وبماذا سمعت إذا ً" ؟
- "سمعت باُم العبد ... واُم الفحم ... واُم المعارك ...".
+ "بالظبط ... هذا ما أعنيه".
- "أي منهن" ؟
+ "ألأخيرة" !
- "ولكنني ...".
+ "لا عليك ... سأشرح لك كل شيء".
- "لا أفهم ..." !؟
+ "ألم تسمع بفتح ..." ؟
- "سمعت بفتح ... وحماس ... وحزب الله ... واُتابع أفعالهم البطولية ساعة تلوالاُخرى".
+ "مع الإحترام والتقدير لكل هؤلاء ... ولكنني لا اُعنيهم في هذه الحالة" !
- "ومن تعني إذا ً" ؟
+ "أعني ... ألم تسمع بفتح طريق ..." ؟
- "ألبلدية تقوم بفتح طرق كثيرة ... أي منهم" ؟
+ "ألله أكبر ... يبدو أنك نزلت برجلك اليسرى من على السرير هذا الصباح ... فأنت تقاطعني بإستمرار ولا تعطيني المجال لأشرح لك كل شيء".
- "إنك تتكلم باُمور غامضة لا أعقلها".
+ "اُمور غامضة ... أي اُمور غامضة ... يا أخي" ؟
- "اُم العبد ... واُم الفحم ... واُم المعارك ... وفتح ... وطرق ... وغيرها".
+ "لا عليك ... سأشرح لك هذه الاُمور الغامضة بكل بساطة: "
- "كلني آذان صاغية" !
+ "وأخيرا ً ... لقد تحركت العرب ...".
- "لمحاربة إسرائيل" ؟
+ "لا ... لا ... ليس بعد ... لا زالوا في إجتماع سرّي مغلق ...".
- "بخصوص ..." ؟
+ "بخصوص إستراجيتهم ألتي لم ُتحدّدْ معالمها بعد" !
- "ولماذا تحركوا إذا ً ... لتنشيط دورتهم الدموية" ؟
+ "تحركوا لكسر ...".
- "أعناق الصهاينة" ؟
+ "لا ... لا ... إنهم تحت حماية أمريكا" !
- "إذا ً لكسر أعناق المتظاهرين" !؟
+ "يا أخي ... بلاش تودينا في داهية" !
- "إذا ً لكسر أعناق من" ؟
+ "ومن يتكلم عن كسر الأعناق ؟ ... أنا أتكلم عن كسر الحصار" !
- "عن كوبا" ؟
+ "وما علاقتنا بكوبا ... يا أخي" ؟
- "إنها محاصرة منذ أكثر من إربعين عاما ً" !؟
+ "صحيح ... ولكن ... ما علاقتها باُم العروبة ؟ ... أنا أتكلم عن فتح طريق ...".
- "عدنا لمشكلة فتح الطرق مرة اُخرى" !؟
+ "لم تكن مشكلة البتة ... نحن العرب الذين جعلنا منها مشكلة" !
- "عن أية مشكلة تتكلم ... يا أخي" ؟
+ "عن فتح طريق الحوار ... وكسر الحصار ...".
- "شوف ... يا أخي ... أنا لم أعد أستوعب شيئا ً ... أرجوك ... إعمل معروف وخذ تكسي آخر ليوصلك إلى اُم العروبة" !
+ "لا ... لا ... أرجوك ... لا تخذلني ... لدي مهمة عاجلة" !
- "عن أية مهمة تتكلم" ؟
+ "مهمة توصيل هذه الحقيبة إلى اُم العروبة".
- "وهل تحتوي هذه الحقيبة على نقود" ؟
+ "كلا ... أهم بكثير" !
- "وماذا أهم من النقود" ؟
+ "تقارير مؤتمرات ... تحاليل سياسية ... مقالات صحفية ... قصائد وطنية" .
- "وما الفائدة منها" ؟
+ "دعما ً للإنتفاضة الماجدة"
- "آها ... ألآن فقط فهمت من تعني باُم العروبة ... ولكن ... ولا مؤاخذة يعني ... هل ُتدعم الإنتفاضة الماجدة بمثل هذه الأشياء" ؟
+ "وهل كنت تنتظر أشياء اخرى ... ولا مؤاخذة يعني" !؟
- "ألسلاح مثلا ً" !؟
+ "ُمحرّم علينا ... ولكن غير مهم ... يعتقدون أن لدينا ما يكفينا من الحجارة".
- "والشهداء ..." !؟
+ نعم ... نعم ... لا شك ... فكل شهيد بمثابة وسام شرف على صدر كل عربي" !!!
- "لا شك ... لا شك ... ولكن ... ولا مؤاخذة يعني ... الاُمور إبتدأت تتعقد".
+ "وما الحل برأيك، وأنت تعلم أن لا حياة لمن تنادي" ؟
- "لدي ّ إقتراحا ً ... أوليس من الأفضل لنا ... ولا مؤاخذة يعني ... أن نذهب إلى اُم العبد بدلا ً من إنتظار نتائج المؤتمرات السرية المغلقة التي لا تثمر أبدا ً" ؟
+ وما الفائدة من إقتراحك هذا" ؟
- "لأخذ مشورتها بهذا الصدد ... فقد يكون لديها الحل الأنسب ... على سذاجتها" !
+ "وهل أنت جاد بإقتراحك هذا" ؟
- "طبعا ً ... طبعا ً ... وهل لديك إقتراحا ً آخر" ؟
+ "لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم ... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" !!!
قالها وهو يغادر التكسي، متمتما ً: "واحسرتاه ... واحسرتاه ... واحسرتاه" !!!
وما كاد يفعل، حتى أحس بمن يربت على كتفه قائلا ً:
"إستيقظ يا أخي ... لقد آن الأوان" !!!
تنهد الصعداء وراح يمجد:
"ألحمد لله ... ألحمد لله ... لا زالت اُم العروبة بكل خير" !!!
وإنطلق ليدوّي صوت إستشهاده في كل أنحاء العالم.
عزيزي قارئ ديالوج الليلة الأخيرة،
قد يكون هذا الحوار قد تم فعلا ً في وقت ما ومكان ما في فلسطين الحبيبة وقد لا يكون. ولكن من الواضح من مجرى الاُمور، أن بطلنا الشهيد قد عانى من كوابيس مخيفة في ليلته الأخيرة قبل إستشهاده. لم يفكر في تلك الليلة الأخيرة بوالديه وزوجته وأولاده، بل وضع نصب عينيه هدف "توصيل الحقيبة" ألتي ترمز إلى معركته الأخيرة مع العدو الغاشم، مهيئا ً بذلك لحياة كريمة في وطن ٍ محرر لأحبائه وشعبه من بعده. هذا وقد أغضبه التخاذل والإستهانة بقضيته (مثل ذكر الحصار على كوبا وتقارير المؤتمرات وغيرها ألتي لا تغني ولا تسمن، وليس آخرا ً، طلب مشورة "أم العبد" ألتي تدل على تقاعس العرب في الذود عن حمى فلسطين)، ولكنه حمد الله عندما إستيقظ بأنها كانت هلوسة كوابيس الليلة الأخيرة والتي إنتهت بيقينه، أن "اُم العروبة" لا زالت بخير، ليقوم بتنفيذ المهمة ألتي عاش من أجلها.