في ذكرى رحيلك يا أبا مروان
يصادف في الحادي والعشرين من شهر كانون الثاني الذكرى السنوية الرابعة لوفاة الحاج احمد الطرمان الازايدة وانني اكتب بذكرى رحيلك يا ابا مروان وقلبي مملوء بالحزن لفراقك ولكن مفعم بالفخر والاعتزاز؛ لأن ذكراك باقية على مدى التاريخ وكلي قناعة بانه ليس لرحيلك يوم فكلّ يوم يتكرر مشهد موتك أمامي بتفاصيله المحزنة فقبل اربعة اعوام وعندما دقت الساعة السادسة والنصف من مساء يوم رحيلك كانت اللحظات الصعبة وشعوراللوعة، حيث أجد أعز وأغلى إنسان في حياتي مسجى أمامي في مستشفى الامل للسرطان بعد أن لفظ آخر أنفاسه الزكية الطاهرة وودعنا الوداع الأخير، وكان الاخوة والابناء والعديد من المحبين والاقارب ملتفين حوله تتفطر أكبادهم حسرة وألماً وحزناً على فراقه، فقد شاءت إرادة الله ولا راد لقضائه وقدره أن تطوى صفحة هذا الرجل السمح الكريم ويترجل هذا الفارس الشهم وقبل ذلك وبعده الأب الإنسان، نعم لقد غادر دنيانا الفانية بعد عمر مديد وكفاح طويل حافل بالعطاء في ميادين الحياة الحرة الكريمة ، لم أملك في تلك اللحظات وأمام هذا المشهد المفصلي في مسيرة حياتي وأنا أجهش بالبكاء وأعايش الدموع إلا أن أردد كلمات الإيمان والاحتساب والصبر، فقد تعطلت أمامي لغة الكلام وغابت العبارات في هذا الموقف الصعب بعد أن غاب عنا ربيع حياتنا ونبض قلوبنا وتاج رؤوسنا ونبراس سعادتنا ،لقد بكاك الاصدقاء قبل الاقارب عن بكرة أبيهم وقد وقع فقدك عليهم وقع الصاعقة، وآلمهم أنك أُخذت من بين أيديهم برمشة عين، ولا انسى في تلك اللحظات الاليمة بانني قد قبّلت رأسك ويديك لأودعك الوداع الأخير وأشكرك الشكر الجزيل.
مضت الاعوام على يوم رحيلك الذي لن ننساه ، وبدأنا نفيق من الصدمة و نصدّق أنك قد رحلت فعلاً من دار الباطل الى دار الحق، وأن الحياة تمضي رغم صعوبة الفراق وهول الحدث و مرارته، وتعلمنا في ليالي هذه الاعوام الصعبة دروساً في الحزن ومعاني لفراق الأحباب لم نألفها من قبل.
رحلت عنا يا ابا مروان ويشهد ذلك « المنزل المتواضع » في مادبا الذي سكنته بإن ربّانه كان رجلا إداريا منظما دقيقا في حياته اليومية،وقد عايشت عصر لم تكن الوسائل التعليمية متاحة ولا الإمكانات المادية موجودة، وكنت غزيرالمعرفة واسع الإطلاع لا تكف عن القراءة ولا تكف عن السؤال والاستفسار ولو من أبسط الأشخاص لإضافة معلومة ولو متواضعة إلى معلوماتك الفياضة،وقد علمتنا إن أغلى ما يحمل الإنسان في هذه الدنيا هي المبادئ الإنسانية التي إن خسرها خسر نفسه كإنسان، وشددت على النزاهة والإخلاص وحفظ الأمانة واحترام الجميع، وأن الحياة هي العطاء وأن السعادة ليست رصيدآ نضعه في حساباتنا بل هي القدرة على جعل الأخرين سعداء، ولقد تعلمنا من عالمك أننا كلما نكبر في داخلنا نكون أكثر بساطة وتواضعا في الحياة وأن المظاهر هي رهان الضعفاء ، فقد كنت لي الاب و الصديق و الأنيس و القائد و المستشار .
اسمح لي بذكرى رحيلك يا ابا مروان بان اطمئنك بان أسرتك بخير، وقد اثبتوا بقيادة ابنك البار" مروان " وعزيمة اخوانه السائرون على خطاك درساً في الصبر عند الملمّات، وتحمّلوا المصاعب برباطة جأش وتماسك متناه أدهش الجميع، ويمشون بين الناس مرفوعي الرأس لأنك تركت لهم إسماً يشهد الجميع له بطهارة اليد و علو الهمّة و دماثة الخلق وعفة اللسان والتفاني في خدمة الغير .
يا والدي الغالي هناك الكثير من الأشياء التي لن استطيع ذكرها في هذه السطور المحدودة، وأرجو أن أكون قد استطعت إعطاءك ولو جزءا بسيط من حقك واعذرني إن خانتني اللغة في التعبير فأنتَ المعلم في اللغة والبليغ في الخطابة، ولكن المشاعر الفيّاضة أبت إلا أنْ تضع بعض النقاط على الحروف في الذكرى السنوية الرابعة لرحيلك.
في ذكرى رحيلك يا والدي... لن أقول وداعاً يا أبي… بل إلى اللقاء... لن يكن فوق الثرى... في جنة رب السماء... بمشيئة رب الارض والسماء.
م. جعفر الطرمان الازايدة