المرضى الذين يتوافدون على الأردن للعلاج أمانة في أعناقكم!
في الوقت الذي نُشيد فيه بالمستوى الطبي الذي وصل إليه بلدنا، ونفخر بما لدينا من أطبَّاء مِن أصحاب الكفاءة العالية ، هؤلاء الذين يعملون بضميرٍ حيٍ وبكل طاقتهم لخدمة المرضى الذين وضعوا ثقتهم فيهم بعد الله تعالى. وفي الوقت الذي نُصِرُّ فيه أن تبقى صورة بلدنا مشرقة أمام الجميع ونخص بالذكر أمام مَن يتوافد على الأردن للاستشفاء لِما يتمتع به من استقرار وأمان، وكي نُبقي تدفق رَافِدٍ من روافد الاقتصاد الوطني المُتأتي من عوائد ما يُنفِقه الإخوة الذين يتقاطرون إلى بلدنا للعلاج، فإننا نرفض بشدة أن يكون أيّ مريضٍ يَصِل للاستشفاء عُرْضَةً للمُتاجرة أو الاستغلال أو الاستثمار أو السمسرة من أيّ شخص وفي أيّ موقعٍ كان. ولا بُدَّ هنا من لفت الانتباه إلى أن أكثر من نسبة 50%من الذين يستقبلهم بلدنا للعلاج في المستشفيات والمراكز الطبية والعيادات هم من إخوتنا أبناء الجمهورية العربية اليمنية العزيزة على قلوبنا جميعاً، حيث تُقِلُّهُم نحو ثماني رحلات جوية اسبوعياً، عدا ما يصل منهم عن طريق البر. ولا يغيب عن الذهن أبناء دولٍ أخرى نُكن لها كل الاحترام.
نرفضُ بشدةٍ، أن يعتبر بعض الأطباء- ولا نُعَمِّم- أن المرضى الذين يتوافدون على عياداتهم يُشكِّلون صيدهم الثمين وفرصتهم السانحة، حيث يتقاضَون منهم أجوراً تزيد كثيراً عن تلك التي يتقاضونها من المريض المحلي، وإنْ استخدم الطبيب جهازاً من أجهزة الفحص العادية المتوفرة في عيادته حوسِب المريض عليه وكلما أحضر المريض نتيجة فحص ولو في اليوم الثاني أو الثالث تم استيفاء أجرة وهكذا!
ونرفضُ بشدةٍ، أن يتم تداول المرضى بين بعض الأطباء "الأصدقاء" عن قصدٍ بذريعة مزيدٍ من المشورة والرأي دون حاجة تقتضي ذلك كما يتضح الأمر في نهاية المطاف!
ونرفضُ بشدةٍ ، أن يوجِّه أيّ طبيب مريضه - دون ضرورة تتطلبها الحالة - إلى الأخصائي الفُلاني ثم إلى غيره فغيره! فتجد هذا يطلب فحوصات مخبرية من المختبر الفُلاني دون غيره، وذاك يطلب فحصَ رنينٍ مغِناطسي أو غير مِغناطيسي من المستشفى الفلاني دون غيره ، وذاك يطلب صُور أشعة من المركز الفلاني وليس غيره.. أو إجراء تنظيرٍ لموقع في الجسم أو ما يُسمى فحص "التراساوند"، وقد يطلب غيره أن يُركِّبَ المراجع جهازاً لمراقبة القلب لأربع وعشرين ساعة، أو أن يُجري فحصاً لحال القلب والضغط من المخططات العادية إلى المتحركة -جهد القلب- إلى الفحص على سرير خاص يتحرك بالمريض أفقياً وعمودياً لمراقبة القلب والضغط معاً! وقد يُطلب من المريض مخططات أعصاب وهكذا من فحوصات متنوعة. ومع المصاريف الكبيرة لذلك كله بالإضافة إلى مصاريف التنقلات يجيء تعب المريض من تلك الجولات المُضنية بالإضافة إلى حَيرته وارتباكه وقلقه كلما وُجِّه لإجراء فحص جديد .. وإذا كانت بعض تلك الفحوصات ضرورية لتشخيص حالة المريض فإن فحوصات كثيرة غيرها يتكشّفُ عدم ضرورتها على الإطلاق كما يؤكد هذا أطباء يُشْهَدُ بعلمِهم الواسع وخبرتِهم ومصداقيتهم على مدى سنوات عُمُرِهِم!
ونرفضُ بشدةٍ، أن يتمَّ استبقاء أيّ مريض في المستشفى دون حاجة، وخاصة بعد شفائه التام! فتحقيق مغانِم مالية إضافية للطبيب المشرف الذي حوَّل المريض وكلما حضرَ ولو لدقيقةٍ واحدةٍ لزيارته سجَّل أجرة مرتفعة .. يضاف إلى هذا مصاريف الإقامة في المستشفى.. هذه المصاريف كلها تُثقِل كاهل المرضى الذين يُصْدَمُون ويتعذر عليهم تسديد المبالغ إلا بعد استدانة من هنا وهناك. وفي السياق عينه، نرى أنه من غير المنطق أن يُحدد أي مستشفى المبلغ المطلوب لإجراء عملية معينة مع مخصصات الجراح وما هنالك من أتعاب أخرى بالإضافة لحساب الإقامة وغيره، وما أن تنهي العملية والإقامة يُصْدَم المريض بأضعاف المتفق عليه بذريعة " اضطررنا إلى عمل كذا وكذا أثناء العملية .. " وغير ذلك من ذرائع !
ونرفض بشدةٍ، إلزام بعض المرضى بشراء أدوية مستوردة محددة غالية الثمن لتكفيهم عدة شهور في بلدهم.. دون تشخيصٍ صحيحٍ لحالاتهم.. حتى إذا عادوا لبلدهم استمرت معاناتهم.. وعند اتصالهم بالأطباء الذين وصفوها لهم كانوا يطلبون منهم -بأعصاب باردة -أن يعودوا مرة أخرى للأردن لدراسة حالتهم من جديد، وكأن أجسامهم مختبرات لإجراء تجارب أدوية عليها!!!
كما أنَّنا نرفض بشدة أن يقوم نفرٌ من سائقي المركبات بالتدخل وتوجيه المرضى الذين ينقلونهم من المطارات أو المنافذ الحدودية إلى عيادات محددة لِقاء مبالغ مالية على الشخص الواحد! والمصيبة هنا أن أطباء تلك العيادات ليسوا في أغلب الحالات من ذوي الاختصاص بالحالات المرضية التي يعاني منها أولئك المرضى. كما ونرفض ابتزاز السواقين الذين يرابطون عند مستشفيات يَحضُر إليها مرضى من الخارج أو عند عيادات على النحو عينه أو عند الشقق الفندقية حتى إذا استقلوا مركباتهم أخذوا أجرة تفوق المقررة بمراتٍ !
ونرفض بشدة استغلال بعض أصحاب الشقق الفندقية المرضى الذين يتقاطرون من الخارج، دون تقدير أنهم لم يحضُروا للنزهة والفُسْحة فتراهم يرفعون أجرة الغرف ضعف ما تستحقه بالإضافة لتكبيدهم مصاريف على أية حركة يقومون بها .
ونرفض أن يستبدل القائمون عل بعض الصيدليات أصناف الأدوية المقيَّدة في الوصفات الطبية بغيرها لتحقيق أرباح أكثر.. ويتذرعون بانقطاع الدواء أو أنه متوفر ولكن سيتأخر وصوله من المستودع! ويتم اقناع المرضى أن البديل طبق الأصل.هذا الأمر يجب أن لا يتم دون إذن خطي من الأطباء .
ولعل ما يدمي الفؤاد تشدق البعض بقولهم:"خلِّ الناس تستفيد". إن من يقول هذا القول يكون متجرداً من إنسانيته وآدميته! فالتستر على أمور كهذه يعني الطعن بالقيم والأخلاق وشرف المهنة لأن الأساس: صحة الإنسان وسلامته وراحته والصدق في التعامل معه.
إن المأمول أن تنفتح الصدور لما جرى سَرده من تصرفات وممارسات ما عاد السكوت عنها يرضي الضمائر. وإذا كان الرد : ولماذا لا يشتكي من يتضرر للجهات الرسمية ليصار إلى التحقيق والمتابعة ؟ فإننا نرى تعذر القيام بذلك.. والأسباب تحتاج لمقال مطولٍ آخر! وتبقى ثقتنا كبيرة بوزارة الصحة وبنقابة الأطباء الأردنيين حيث ببعد نظرهم وأدواتهم يمكن اجتثاث جميع التجاوزات والممارسات، كذلك بتر أيدي كل من يستغل أو يستثمر إخوتنا الذين يقصدون بلدنا للعلاج أو يتاجِر عليهم .