إنشطار وحنين
قرأت مرة : إن الكائن البشري خلق كاملا في البداية ثم عاقبته الآلهة بشطره الى نصفين ليعيش كل نصف بحنينه الى الآخر ..
لا أحث على النظر في هذه الأسطورة ربما لأنها تعارض ما أؤمن به من قيم دينية وحضارية لها من الخصوصية ما يمنعني من الإنزلاق الى فكرة متابعة الأساطير، أو حتى الإيمان بها .غير إن في الأمر مكمن إثارة قد تدفع للكتابة والتنقيب بحثاً عن سر ما يقبع في ركن ،أو زاوية لم تطلها عين البحث ..
كانت المرأة وماتزال تثير الرجل. تدفعه لعشقها، لمعاداتها، بل لحربها ،وربما محاولا غلبتها وتقييدها بقيود شتى، وحتى التسلط عليها، ومنعها من الحركة إلا في ظل تبعية كاملة له. لكن التساؤل يتركز على محاولة فهم الأسباب التي تحض الرجل على فعل ذلك ؟
منذ تأسيس العلاقة الإنسانية بينهما، أي حين كانت الحياة في أول نشأتها لم تكن الأمور ميسرة إلا في ظل الصراع والقوة التي تمنح الغلبة لمن يملكها، والحق إنها كانت مهيأة للرجل من دون المرأة، وهو الذي كان يسعى لمطاردة الحيوانات، وجمع الحطب والصيد والحماية وبناء المسكن، وما زالت أغلب هذه الأعمال أمور يكون فيها الرجل فاعلا بمستوى لا توازيه فيه المرأة.
في إطار التكوين الجسماني فأن للذكر مثل حظ الأنثيين، والمقصود هنا ليس في المواريث كما قد يظن، بل في أمور حياتية متعددة، فقد طالعت في إحدى الصحف قصة مفادها إن امرأتين أنجبت الأولى مولودة أنثى، والثانية أنجبت ذكراً، وأخطأت الممرضة في وضع علامة على رسغ كل واحد منهما فتاه عليهم لمن المولود الذكر، ولمن المولود الأنثى؟ وحين سمعهم رجل لديه علم طلب منهم أن يزنوا حليب المرأتين، وفعلوا، فكان وزن حليب إحداهما يفوق الثانية فعلموا أنها أم المولود الذكر إستدلالا بفعل قام به علي بن أبي طالب حين كان يسأله الناس فيما صعب عليهم من أمور الدين والدنيا، وكان يجيبهم بالصواب .
ليس من الحكمة أن نتجاهل حقيقة مانحن عليه من تكوين نفساني وجسماني، ومافينا من طبائع جعلها الله لانحيد عنها حتى وإن تمردنا ورغبنا في سلوك منحرف عن الوجهة التي فرضتها السماء، فالمرأة في حنين دائم للرجل وهو كذلك. وربما وددت أن أجتذب صورة لأصناف من الحيوانات، وزوجين من البشر رجل وإمراة، وتكون الصور تلك، وهذه الأزواج الحيوانية والإنسانية في حالة إنجذاب وتواصل حميمي، ثم أنظر الى الرجل والمرأة كيف ينجذبان في اللحظة لبعضهما، ولبقية الحيوانات، وستكون النظرة مليئة بإثارة غريبة، وغير مألوفة لكنها تتضمن دلالات عميقة يمكن أن تدفعنا للتأمل، ومعرفة الطبيعة التي جعل الله مخلوقاته عليها من البشر والحيوان والنبات والجماد فكلها مخلوقات حية وإن توهمنا موت بعض منها..
الإنشطار والحنين صفتان للبشر ولكل الكائنات..