سلاما فلسطين .... والواقع العربي
لفت أنتباهي كمهتم بما يجري في الوطن العربي ....ما جرى في تونس قبل أيام ، ويترتب على ذلك مجموعة من التساؤلات تدور في ذهن أي متابع للشأن العربي ، خصوصا في ظلّ ماسمي بالربيع العربي ، فعندما بدأت الثورة في تونس ونجحت بالتخلص من حكم زين العابدين بن علي ، أمتدّ تأثير هذه الثورة ليصل إلى مصر واليمن وبعد ذلك ليبيا وسوريا ، لكنّ الثورة في تونس تعرّضت إلى محاولات إفشالها ، من خلال بعض الاغتيالات التي تمت لبعض الشخصيات التونسية من الطبقة السياسية ، ومن الكوادر القيادية في أحزابها ، وكادت هذه أن تعصف بالحالة الثورية في تونس وتعرّضها للفوضى أو الاقتتال والنكوص بها إلى الوراء ، حتى تصل إلى حالة يتمنى فيها المواطن التونسي أن لو بقي زين العابدين حاكما لهم ، إلاّ أن الإصرار التونسي بمختلف تياراته السياسية آثر السير باتجاه الوصول إلى برّ الأمان ، والخروج من الأزمات التي تعصف بالدول العربية التي اجتاحتها عواصف شعوبها ، فقد استطاعت تونس أن تتخطى عقبات ومحاولات إدخالها في عنق الزجاجة ، وذلك بفضل الرؤية والوعي السياسي لأبنائها المخلصين لوطنهم ، وتجنيبه ويلات الرصاص الذي ينطلق من فوهات البنادق بين الشعب الواحد كما في سوريا ، وفي ليبيا وحالة اللاهدوء في مصر ، فالثورات في الدول العربية الأخرى تمّ إجهاضها وقطف ثمارها من قبل مؤسسات تنفرد بأدوات القوة ، وأحدثت شرخا بين التيارات السياسية المختلفة لتقف في وجه بعضها البعض كما في مصر ، وتعود المؤسسة العسكرية للحكم من جديد لتلعب على وتر الإنقسام في الشارع المصري ، ولذلك نقول أن الثورة في مصر فشلت وتمّ إفشالها لتعود دورة الحكم السابق من جديد ، وهذا مؤشر خطير على مسار الأمة بشكل عام ، لأن مصر تأثيرها على قاطرة الأمة يختلف عن غيرها من الدول العربية .
أما في سوريا فالحرب الأهلية مستمرة ، والمفاوضات في جنيف تجري ، ومع أنّنا نعرف جميعا أن جنيف هو مخرجات غربية ، لاتهدف إلى الوصول بسوريا إلى برّ الأمان إلاّ بعد أن تنتهي بنى الدولة السورية بأيدي أبناءها ، دون أي عناء تبذله دول الغرب كما دمرت بالعراق ، ودون أن يكلفها ذلك شيئا ، كما أنّ الطحن الطائفي أخذ ينتشر ويتجذّر ، كما هو الآن في العراق بين الشيعة والسنّة ، ولن تقف الأمور عند هذا الحدّ ، بل ستتعداه إلى تمزيق وإنهاك كل الدول المحيطة بالكيان الصهيوني بما فيها مصر ، وصولا إلى ليبيا التي بدأ فيها الصراع العشائري بالسلاح ، ومحاولة تفتيتها إلى ثلاث كنتونات و سيطرة كل كنتون على الثروة الطبيعية التي يملكها ، للوصول إلى دويلات متحدة كونفدراليا ، وكذلك اليمن التي تحاول إعادة بناء الاتحاد بين الجنوب والشمال على أساس كونفدرالي ، ناهيك عن الوضع الداخلي والاقتتال مع الحوتيين ومقاتلي القاعدة على أرضها .
ونعود إلى تونس التي قطعت شوطا طويلا بالانتهاء من صدور الدستور بعد أكثر من سنتين ، والتوافق بتكليف حكومة كفاءات محايدة وانتقالية للوصول إلى الانتخابات حسب الدستور الجديد وتحقيق الأمن الداخلي ومحاولة تحسين الوضع الاقتصادي ، وهذه تفرض على المتابع سؤالا ، هل ستعيد تونس إنتاج الثورات العربية بصيغة مختلفة عما يجري بما توصلت إليه بطريقة سلمية – وإن شابها بعض المنغصّات - بغض النظر عن العقبات والمعيقات التي واجهتها ؟ ، أم أنها فقط أطلقت شرارة الثورات العربية دون أن تلتفت إلى ما يجري على ساحات شقيقاتها ، .... ربما كانت الأنظار تتجه صوب مصر لتكون النموذج العربي المؤثر والقيادة في هذا الشأن ، ومع أننا لا نقارن مصر بتونس على صعيد الجغرافيا والسكان والقدرات المختلفة والمتباينة ، إلا أنني أرى أن تأثير تونس بمسيرتها السلمية على المحيط العربي سيكون أكثر من غيرها .
كلّ الذي تطرقنا إليه من ثورات عربية سلمية كانت أم مسلحة ، يلتحق به سؤال ... ماذا جنت فلسطين من ذلك ؟ ، والجواب عليه ، أنّ الشعوب العربية انشغلت بثوراتها وأوضاعها الداخلية ، وباتت فلسطين قضية منسية أو جثة هامدة ، وليست من أولويات الشعوب العربية ، ولذلك وصف بعض المحللين السياسيين جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة بالذكاء ، لاستغلاله الحالة الراهنة في الوطن العربي من تفكك وتشرذم وطائفية ومذهبية ، لتقزيم القضية الفلسطينية وحلّها كما تريد الدولة العبرية ، وإن كانت بوادر الحل مستحيلة ، فأصبح الاعتراف بالدولة اليهودية ممكنا ، ولكن بلغة أخرى لا تخلو من هذا المضمون ، وحق العودة – أي قضية اللاجئيين الفلسطينيين – باتت إسرائيل غير مسؤولة عما حصل لهم ، ولا تتحمل أية تبعات تجاه حق العودة ، وهكذا أصبح حق العودة من قبل مفاوضي السلطة ورقة للمساومة ليس أكثر، وتميل السلطة إلى التنصل منه حسب ورقة عباس وبيلين ، أما حدود الضفة مع الأردن " الغور " ، فربما تقبل السلطة بأن تكون تحت سيطرة قوات إسرائيلية وأمريكية لمدة قد تطول ولا تقصر ، كذلك القدس فالطرح الذي يتمّ تدواله أن عاصمة دولة فلسطين في القدس وليس القدس الشرقية ، ومسألة تبادل الأراضي أصبح خيارا واقعيا وملحا حسب رغبة إسرائيل ، ، والسؤال : هل بقي من القضية شيء ؟ ، أم سنقول كما قال هرقل لسوريا ... سلاما عليك فلسطين ... لا لقاء بعد اليوم ؟! .