نوال بركات.. من عمان الشرقية الى قائمة عظماء العالم
المدينة نيوز- حُرمت من إكمال تعليمها في الفترة التي أعقبت النكبة يوم امتثل والدها لأمر الحاكم الإداري في الخليل وتعهد بعدم إرسالها إلى أي مدرسة، ولكنها واجهت ذلك بالعمل الاجتماعي والتنمية في المناطق الفقيرة وهو ما وضعها على قائمة أبرز العظماء المؤثرين في العالم واحدةً من القادة الخمسمئة المؤثرين في العالم.
زمنها الذي عملت فيه كان صعبا يُنظر فيه إلى صوت المرأة ووجودها مع الرجال أنهما "عورة وعيب"، ففي العام 1962 يوم كانت تلقي كلمتها التي تطالب فيها بتحسين خدمات منطقة جبل النصر وسط خمسمئة رجل من دون وجل وتردد أسمعها الرجال بقسوة كلاما ما زال في ذاكرتها "أذكرهم وهم يقولون ويش قعّد الحرمة بين الزلم.. كنت اسمع المسبة والنقد وأمشي على الشوك..".
ولدت نوال يعقوب بركات في مدينة القدس في منطقة الثوري بين البقعة والقطمون العام 1936 وكانت وحيدة بين سبعة أولاد، والدها كان تاجر معدودا في السوق، وفي مدرسة الثوري درست للصف الرابع.
شهدت النكبة التي انضم أخوتها بعدها لحركة الثوار، ثم انتقلت الأسرة لمدينة الخليل "دخلت مدرسة عين خير الدين" والخليل آنذاك كانت تتجاذبها حكومتان؛ الحكم الأردني والطموح المصري في إدارة المدينة "كان تحدث فيها حوادث بسبب وجود حكومتين وكانت تحدث مظاهرات فتأثرت بالمعلمات ذوات الهوى المصري... حدثت مظاهرات ووزعت مناشير.. ثرنا كشعب على واقع الحال ...".
لا تبدو متحمسة لتاريخها وهي تتذكر دورها النضالي في سن الطفولة، بقدر ما تتذكر دور أمها التي كانت تذهب بالطعام للثوار وبخاصة إخوتها من دار الأشهب وتخبئ السلاح لهم في ملابسها لكنها تستدرك بحزن أن الوطنية جرّت عليها ضريبة كبيرة "..زقطوني مع ثلاث بنات وأخذونا للاعتقال وكان السؤال كيف بنت يعقوب بركات تقوم بذلك....والدي طُلب إليه من قبل الحاكم الإداري الأردني الإمضاء على تعهد يقضي بأن لا تدخل ابنته أية مدرسة حكومية أو خاصة ..".
ضاق والدها بالأمر "لم يتحمل فعاد للقدس" بقيت العائلة في القدس حتى العام 1951 وآنذاك شهدت أم نادر اغتيال الملك الشهيد عبدالله "الناس ثاروا وتأثروا لأن في ظنهم أن هناك مؤامرة على الملك ودبت الفوضى في المدينة وكانت عنوانا للمرحلة..".
مواجهة حرمانها للتعليم كانت بتعلم المهن المنزلية من خياطة وتطريز وكوافير، ولم يقف والدها مكتوف الأيدي بل كان يحضر المدرسين للبيت ليعلموها.
العاملان في القدس بعد النكبة كانا يضيقان على والدها حدّ الاختناق "المصيبة أننا سكنا في منطقة متوسطة بين الثوريين في بيت عمي، وكنا نرى اليهود وهم يخرجون أغراضنا من بيتنا لذا أردنا الابتعاد كي لا يموت والدي حسرة وكمدا وهو يرى اليهود وهم يسرقون سجاد البيت وأثاثه...".
المجيء لعمان كان العام 1951 على ما تبقى من مشروع دولة الوحدة، سكنت الأسرة منطقة "جسر الحمام قرب المستشفى الإيطالي وكان جيراننا بيت المرحوم الشيخ جريس تادرس"، وعمان آنذاك كانت اصغر كثيرا مما هي عليه اليوم، والمقدسية الثورية كان عليها أن تجد "البنات ممنوع عليهن أن يطلعن على الشارع خاصة في وسط البلد".
التحولات الاجتماعية بعد النكبة بدت ظاهرة عيانا في عمان بسبب مجيء سكان جدد كانوا أكثر صلة بالحداثة ومن بيئات منفتحة "شعروا أني قادمة من القدس ولبسي لبس رجال؛ بنطلون وأحيانا ألبس قرافة" لذا بدت نوال الفتاة "المسترجلة" لكنها تؤكد أنها تأثرت بأمها التي كانت "تستقبل اللاجئين في الخليل" وإلى جانب ذلك تأثرت بما كانت تسمع من نقاش أخوالها "نعيم الأشهب وعودة الأشهب وهم من مؤسسي الحزب الشيوعي في القدس..".
حتى أواسط الخمسينيات كان مجتمع عمان ذكوريا "بنات عمان يومها قليلا ما كنت أراهن..."، واستمر منعها من الدراسة "لكني كنت أقرأ كثيرا، فالقراءة كانت سبيلي للمعرفة وكان هناك مدرسون يأتون ليدرسوني...كنت وحيدة أبي الذي يلازمه شعور بالألم لأني حرمت من المدرسة".
بقيت نوال بركات أبو ارميلة تقطن في منطقة جسر الحمام حتى العام 1956 "بعد الزواج سكنت في جبل الحسين.."، وكانت بعد الزواج على موعد العمل المجتمعي الذي انطلقت إليه بعد العام 1962 في منطقة شعبية هي جبل النصر.
حالة المكان كانت صعبة كما تصفها "مدارس البنات للصف الخامس والمنطقة محكومة بالعشائرية والفقر، من لا يملك القدرة لا يرسل بناته لمدرسة الأشرفية وجبل الجوفة ومدرسة الملكة زين ما يعني أن بناته ينتهين بالبيت محرومات من التعليم".
واقع جبل النصر الصعب قادها للبدء بالعمل المجتمعي، فالمنطقة كانت بلا مدارس كافية ولا يوجد فيها مكتب بريد ولا شوارع معبدة، لذا بدأت رحلة المطالبة لخدمة الناس "أرهقت المسؤولين استعداءً لأجا المصالح العامة، وعملت على تطوير المنطقة".
توسعت جهودها لتشمل مناطق شرق عمان في "حنيكين وعالية والمنارة وجبل الخلايلة وحي هملان والتاج وقسم من الأشرفية "وكانت النتيجة تشييد وبناء مراكز أمومة وطفولة وجمعيات نسائية ومدارس..الخ"، فغدت المسؤولة عن متابعة أمور مناطق عمان الشرقية من فتح شوارع ومد الأرصفة و"كانت طلباتي تجاب".
ذات يوم سمع بها الراحل الحسين رحمه الله "طلبوني إلى الديوان في السبعينيات.. أخذت معي الملفات، ولما رأى جلالته الملفات قال "ستكونين مسؤولة في شرق عمان عن الأعمال الخيرية"، ثم سأل كم نوالاً أنت؟ قلت أنا واحدة ومشغّلة كل وزرائك فصار يضحك...".
رعاية الملك الحسين الراحل لإنجازاتها لم تكن محلية وحسب بل شجعها عالميا، فحين علم بجهودها رشحها لنيل (وسام العظماء للقرن العشرين) وفازت بهذا الوسام "وتم اختياري بعدها من قائمة الخمسين عظيما في ألمانيا? وتم تسليمي جواز سفر عالميا وتكريميا". وهي تحمل جواز سفر المجموعة الأوروبية وهوية زمالة الجمعية الدولية للسير الذاتية، ومنحت شهادات تقدير من عدة مؤسسات عربية ووطنية وعالمية، وعضوية نادي النخبة العالمي والمجلس العربي للطفولة والتنمية وغيرها كثير من العضويات، ولديها قيود في مكتبات عالمية في الكونغرس والإسكندرية.
مطالب الناس أحيانا تزعج المسؤول؛ في ظهيرة يوم من أوائل الثمانينيات "كنا نريد بناء مركز صحي وذهبت لعصام العجلوني فرمى الملف وقال يا أختي أخذتِ أراضي الدولة كلها، وقلت له سيدي أنا لم آخذ لبيتي أو زوجي...فحملت نفسي إلى رئاسة الوزراء زيد الرفاعي وطلبته وتفهم الأمر ورفعت مطلبي إلى عشرة دونمات لبناء مركز صحي لجبل النصر.. وكان الدكتور زهير ملحس وزيرا للصحة آنذاك" لكنها لم تقف عند المطالبة بتوفير الأرض بل ساهمت في تأمين المختبرات للمركز "من قبل منظمة الصحة العالمية ...".
جبل النصر مكانها الأرحب وموطن الإنجازات الأحب، وهي إن كانت أرهقت المسؤولين بضرورة توفير خدمات صحية وتعليمية وطرق فهي لم تغفل الرياضة "طلبت من الملكة نور تأمين ارض لبناء نادي شباب النصر، وكانت هناك رعاية كبيرة من الملكة نور لأعمالنا...وبدعم الجميع حولت جبل النصر إلى منطقة نموذجية لنشاط المرأة وإسهامها في التطوير".
نوال بركات التي تسند كل ما هي عليه من انجازات ريادية وطليعية في كثير من المجالات لدعم أسرتها وبخاصة زوجها نعمان أبو ارميلة، فهي أول سيدة رئيسة لدفاع مدني شرق عمان، وأول سيدة تؤسس مجالس الآباء والأمهات في شرق عمان، وأول سيدة عملت لجانا أهلية لأمانة العاصمة بموجب كتاب يشير إلى ذلك من قبل أمين العاصمة عصام العجلوني بتاريخ 26/3/1982.
هي أول امرأة أردنية حصلت على رخصة سوق، وهي عضو مؤسس في الاتحاد النسائي، وعضو في 37 جمعية خيرية وتعاونية.
ولم يقف العطاء عند هذا الحد "أنا أول سيدة وبشهادة أمانة العاصمة عملت على تشجيع الطلاب على حب الأرض والزراعة? فكنت أخصص يوما لمدرسة البنات ويوما لمدرسة البنين لزراعة الأشجار? وأخصص جوائز مادية لمن يحافظ على غرسته? فزرعت فيهم حب الوطن والانتماء إلى الأرض".
في العام 1983 طُلب إليها توحيد الأعمال التي تقوم بها "عملت جمعية لمأسسة جهودنا وهي جمعية سيدات النصر، بدأتها بألف دينار من متبرع كريم...ولما سلمتها العام 1990 كان فيها 280 ألف دينار ثمن أجهزة مختبرات وحاسوب وماكينات خياطة وأجهزة لتعليم الموسيقى..الخ.
كل ما تقوله موثق بكتب وشهادات وأوسمه تظهر أنها نالت تقديرا عالميا وعربيا كبيرين، وما يحز بالنفس أنها للآن لم تتمكن من الاتصال بجلالة الملك عبدالله الثاني ولم تلتقه، "لا أعرف لماذا لم أتمكن من ذلك مع أني طلبت اللقاء واعتقد انه ينظر بعين الرضا لما ننجزه ...".
كُتب عنها الكثير الكتب العالمية الخاصة بسير العظماء، وكُرمت في غير مرة ونالت في ثلاث سنوات متتالية (1993-1995) شهادة المرأة العالمية من منظمة اليونسكو، ووسام عظماء العام حاضر في بيتها، ووسام القرن العشرين الذي أهدته إياها السيدة أسماء الأسد في مؤتمر سيدات الأعمال وكرمتها بتقديم "جرة زجاجية تعود للألف الثامن قبل الميلاد وفيها ثلاثة نماذج للفخار الزجاجي العائد لتلك الحقبة..".
مواقفها الطريفة كثيرة؛ وأطرف ما تقوله أنه قبل شهرين "اتصلت أمانة عمان لتأخذ معلومات عن "المرحومة" نوال بركات أبو ارميلة وكم فوجئوا عندما أخبرتهم أنني أنا من يسألون عنها"، وهي حين تذكر ذلك لا تخفي عتبا بقدر ما تفرح بأن الناس والمسؤولين يتذكرون عملها وكثيرا ما يلح الطالبون عليها بالرغبة بالتكريم او التقدير، ولكنها ترى ان المرء يكرم نفسه بقدر ما يمد مجتمعه من عطاء وبذل.
العام 1956 تزوجت من السيد نعمان أبو ارميلة وأنجبا ثمانية أولاد جميعهم جامعيون "أربعة منهم دكاترة ولي أربعة عشر حفيدا...".