منعنا المطر بذنوبنا
إن الماء هو أساس الحياة ، قال تعالى)) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ،الأنْبِيَاء30)). والمطر نعمة وفضل وبركة على العباد والدواب وعلى هذه البسيطة التي نعيش فوقها ، وها نحن في الأردن نقترب من وداع فصل الشتاء الذي بدأ يلملم اطراف ثيابه التي جفت من قلة البلل بسؤ فعالنا واعمالنا وما إقترفت ايدينا . ﴿ اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾.
لو عدنا لأسباب منع نزول المطر من رب العزة لوجدنا اسبابا كثيرة تمنع نزوله ، لما يقترفه الكثير من ابناء الأمة من محظورات ومحرمات ،وقد ظهرت المنكرات، في مجتمعنا المحلي ، وقد يصل هذا لعالمناالإسلامي،فلم،يتمعَّرمنها،وجه،ولم يشمئز منها قلب ألا من عصم الله.
نعيش في مجتمع كثر فيه القتل وظهر فيه الزنا، وتفشى الظلم والربا، والخمور والمسكرات، والمجونٌ والمخدرات. وفي معاملاتنا اليومية نلحظ الغش وإنقاص الوزن والمكيال {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المُطَفِّفِينْ/1] إضافة إلى التزوير، والبخس والمماطلة والرشاوي، ونجد انتشارا رهيبا للمكاسب المحرمة، والمعاملات المشبوهة، والتساهل في حقوق العباد، وعلى الصعيد الاجتماعي زادت المشكلات الأسرية المعقدة، والعلاقات الإجتماعية المفككة، وساد الكثير من الحسد والبغضاء، في القلوب وبرزت الضغينة والشحناء والحقد ، وغيرها مما نجد من قنوات فضائية تبث السموم وما للتقدم التكنولوجي في الشبكة العنكبوتية وغيرها من امور ومظاهر العولمة التي تبث الفساد إلا من هذه الأسباب أيضا .
وهناك أسباب جوهرية نوجزها بما يلي:
1- الكبرياء في الأرض، والتعالي على الخلق، والافتخار بالمال، أو الجاه، أو المنصب، أو السلطان. فالغيث لا ينزل إلا بإظهار التضرع لله، والانكسار بين يده. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنه: "خَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للاستسقَاء مُتَذَلِلاً، مُتَواضِعاً، مُتَخَشِعاً، مُتَضَرِعاً" صحيح سنن الترمذي.
2- المشي بين الناس بالفساد، سواء كان تزويرا، أو رشوة، أو سرقة، أو غشا.. ومن الغشاشين: الذين ينقصون المكيال والميزان، ولا يوفون الناس حقوقهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنت عاشر عشرة رهطٍ من المهاجرين عند رسول الله ، فأقبل علينا رسول الله بوجهه فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهنّ: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابْتُلُوا بالطواعين والأوجاع ـ أي: الأمراض ـ التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قومٌ المكيالَ إلا ابتلوا بالسنين وشدة المَؤُونة وجَوْر السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا مُنِعُوا المطر القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم)).
3- منع الزكاة ،أين هم اليوم من يخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم؟ أين أصحاب الملايين - وربما المليارات - الذين يمتنعون عن إخراج حق الفقراء، وإذا لم يستطيعوا التحايل على الدولة، دفعوا ضرائبهم، ثم احتسبوها من أموال الزكاة. يكدسون في الدنيا ما يعظم حسابهم عليه في الآخرة. قال تعالى: ﴿ والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ﴾ ثم قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُون ﴾.
4- كثرة المعاصي، وهي من الأسباب الموجبة لحبس المطر عن الناس، وانتشار القحط والجفاف، لأن المعاصي سبيل لإغضاب الرب - تبارك وتعالى -، وقد لا يقتصر أثرها على أصحابها، بل يتعداهم إلى غيرهم: قال عمر بن عبد العزيز: "كان يقال: إن الله - تبارك وتعالى - لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عُمل المنكر جهارا، استحقوا العقوبة كلهم" رواه مالك في الموطإ. ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من سوء آثار المعصية فقال: "إياك والمعصيةَ، فإن بالمعصية حل سخط الله" صحيح الترغيب، ومن سخط الله حبس المطر.بل قد يتعدى شؤم المعصية إلى المخلوقات الأخرى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقول: "إن الظالم لا يضر إلا نفسه". فقال أبو هريرة: "بلى والله، حتى الحُبارَى (طائر) لَتموتُ في وكرها هزالا من ظلم الظالم" ذكره الذهبي في "الكبائر".
وقال مجاهد: "إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة، و أمسك المطر"، وتقول: "هذا بشؤم معصية ابن ادم".وقال عكرمة: "دواب الأرض وهوامها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: "منعنا القطر بذنوب بني ادم".
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم أغثنا غيثًا هنيئًا مريئًا مريعًا سحًّا غدقًا طبقا عامًا واسعًا مجللا، نافعًا غير ضار، عاجلا غير آجل .اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك ، اللهم أغثنا غيثًا مباركا، تحيي به البلاد، وتسقي به العباد، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد.اللهم أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلته عونًا لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين .اللهم أنبت لنا الزرع، وأدرّ الضرع، وأسقنا من بركاتك، وأنزل علينا من بركات السماء، وأخرج لنا من بركات الأرض .
اللهم ارفع عنا الجهد والقحط والجفاف، وعن بلاد المسلمين يا رب العالمين، واكشف عنا من الضر ما لا يكشفه غيرك .اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك .
اللهم ارحم الشيوخ الركع ، والبهائم الرتع ، والأطفال الرضع، اللهم اكشف الضر عن المتضررين، والكرب عن المكروبين، وأسبغ النعم، وادفع النقم عن عبادك المؤمنين ..