مثقفون يدعون لبناء ثقافة تواجه التحديات الراهنة
المدينة نيوز- الثقافة الأردنية كمثيلاتها من الثقافات في العالم تعترضها بعض المعوقات التي تدفعها إلى أن تبحث عن خطط مستقبلية لدعم الثقافة وأهلها , وأن تنشر الوعي العام بأهمية التنمية الثقافية .
وفي هذا السياق قالت الدكتورة هدى قزع من الجامعة الهاشمية ان كثيرًا من التشريعات والأنظمة المعمول بها حاليًا في الشأن الثقافي لا يتلاءم مع متطلبات العصر ولا حاجات المثقفين ، لذلك لا يمكن غض الطرف عن مستوى الدعم المقدم من وزارة الثقافة للهيئات الثقافية والإبداع والمبدعين، والذي إن قيس بحجم الرؤى الثقافية بدا ضئيلًا في ضوء الميزانية المحدودة للوزارة .
ولعل ما يؤخذ على العديد من المؤسسات الثقافية كما اضافت لوكالة الانباء الاردنية ( بترا ) أنها ركزت جل عنايتها على المؤلفات المكتوبة والندوات الثقافية وحفلات توقيع الكتب الجديدة ، متناسية ضرورة تمثل الفعل الثقافي مجتمعيًا .
وبينت الدكتورة قزع " ان صورة الثقافة والمثقفين عند أغلب الفئات المجتمعية نمطية وفي كثير من الأحيان سلبية , لأن المثقف في نظرهم يتعالى عليهم ، ولا قيمة في الواقع لثقافة متعالية على المجتمع وأفراده , لقد آن للثقافة أن تتحول من قوة مسيطرة على المشهد المكتوب ، إلى فعل تغييري ينهض بالمجتمع وما يعتريه من تحديات على جميع المستويات والأصعدة " .
وقالت انه يتحتم على الثقافة الأردنية أن تنشر الوعي العام بأهمية التنمية الثقافية ، ولا يكون ذلك إلا إذا تم التنسيق بين المؤسسة الرسمية الداعمة للثقافة وغيرها من الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ، حتى لا يبقى الفعل الثقافي أسيرًا لبعض الفئات أو الأماكن .
ورأى القاص والباحث نايف النوايسة ان الثقافة بوسعها مواجهة الراهن من حياة الناس والقيام بعملية التغيير ليس بصورة فورية ومباشرة , إنما ببطء شديد وطريقة غير مباشرة، وهي تختلف عن السياسي الذي يأخذ بالتغيير الفوري المباشر .
وقال ان الثقافة تمهّد الشعور الإنساني للنقلات القيمية في البناء الحضاري بصورة غير مباشرة، لان تقبلها يحتاج الى وقت، وبعد ذلك يهضمها ويتمثلها، فالمسرحية الهادفة التي تحمل أفكاراً تغييرية وتسعى الى مواجهة واقع لا ينسجم في حركته مع مسار الحياة الكريمة، تستطيع بالعقل ووسائل الإقناع والحوار ان تفعل ذلك إذا واجهت المسلّمات بمفاهيم جديدة مقنعة، ومثلها يأتي دور السينما والدراما التلفزيونية، وكذلك الرواية والقصة والقصيدة والمقالة والإعلام واللوحة التشكيلية والأغنية الجادة في كلماتها والحانها.
واكد النوايسة انه مما استقر في الفهم هو دور القصيدة قديماً، فالشاعر الذي ينظم قصيدته ويجدها المجتمع الذي تلقاها بأنها ذات قيمة عالية ما كانت لتحتل هذه المكانة المرقومة لولا أنها تضمنت أفكاراً وقيماً وفناً لفتت نظر المجتمع فتمثلها، ومن أمثلة ذلك قصيدة زهير ابن ابي سلمى التي واجهت احتراباً دموياً بين قبيلتين، وتمكنت من تهدئة المواجهة وحلها، وكذلك حركة الصعاليك وشعرهم .
وقال : حديثاً كان شعر المقاومة الفلسطينية وما يزال قلعة مهمة من قلاع مواجهة العدو الصهيوني، وراى انه بجوار الشعر فان للغناء والفن التشكيلي مكانة مهمة لمواجهة العدو والتصدي له .
واكدت القاصة والكاتبة جميلة عمايرة ان التحديات الراهنة من متغيرات سياسية بالدرجة الاولى وبصورة مباشرة تصب في الثقافة , الا وهي الربيع العربي الذي منذ بدء انطلاقته يلاحظ به غياب دور المثقف صاحب الرؤية والمشروع ، اذ نأى بنفسه وانسحب من الواجهة لاسباب عديدة ومختلفة , وقالت ان تسيد (السياسة) كفعل , طغى على جميع النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية . وقال الشاعر والباحث حسن ناجي ان الأدب كإبداع فكري هو فعل إعادة البناء من جديد وهذا المفهوم يحدد دور الأدب ومسؤوليته أمام القيم بفضاءاتها المتعددة " السياسية والأدبية والدينية الخ.." .
واكد ان الحركة الأدبية في الأردن معنية تماماً بتحديات الراهن المعاش ، وبجميع المتغيرات في الفكر السياسي والاجتماعي والديني ، ولا يصح القول إن الدور يمكن أن يكون فردياً ولا اجتهادات شخصية ، وبالتأكيد لن يصل الأمر إلى لغة الإملاءات .
وراى الشاعر ناجي أن الحركة الأدبية في الأردن عليها أن تتحرك من خلال مؤسساتها وتجمعاتها وروابطها ، وهذا مرهون بتفهم تحديات الراهن ، وإدراك المتغيرات بعد ذلك يبدأ التخطيط وتوزيع الأدوار في المجالات الإبداعية بتداخل متكامل بحيث يشكل مجمل المنتج نسيجاً واضحاً ذا بعدْ حضاري مسؤول ، وأن يصل هذا المنتج بكامل عافيته إلى أصحاب القرار كل في مجاله وأن يكون ذا دلالات انتاجية قادرة على ترجمة نفسها أولاً وترجمة الواقع ثانياً .
وتابع " علينا أن لا نلتفت كثيراً إلى اختلاف وجهات النظر ، بمعنى أن لا يصبح الاختلاف قامعاً ومحبطاً للحركة الادبية الفاعلية بل هو " الاختلاف " المحفز للحوار البناء الذي في النهاية يصل بنا إلى ما نريد , إن الأمر ليس بالمعجزة ، وعلى المثقفين أن يدركوا هذا وإلا بقي كل منهم متفرجاً على ما يجري دون المحاولة في إعادة صياغته" .
وطالب بالتنسيق مع الجهات الرسمية مؤكدا ان ذلك خطوة من الخطوات التي يجب أن تتبناها المؤسسات الإبداعية والجامعات ، وغياب التنسيق يُضعف الفعل ذاته وبالتالي ستكون النتائج مخطوطات ورقية لا قيمة لها , وان تحديات العصر الراهن الكبيرة تحتم ضرورة التعاون مع كل من يستطيع رفد الحركة بإيجابيات وهذا أمر ضروري على جميع مستويات الإبداع من كتابات درامية وموسيقى ورسم إلى القصائد والقصص والروايات , فالإبداع كلمة وصوت ولون.
وقال رئيس رابطة الكتاب فرع اربد الشاعر مهدي نصير ان الثقافة الأردنية ليست معزولةً عن واقع وأزمة الثقافة العربية في كلِّ أقطار الوطن العربي , لذلك فالحديث يجب أن يكون عن كيفية العمل أردنياً وضمن مكوِّنات العمل الثقافي في الأردن على بناء ثقافةٍ وطنيَّةٍ منتميةٍ لشعوبها وأزماتها الحقيقية وتقودنا خطوات للأمام في طريقٍ طويلٍ يفضي إلى بناء ثقافةٍ عربيةٍ إنسانيَّةٍ مُبدعةٍ وقادرةٍ على الجدل والحوار مع الثقافات الأخرى .
ولا ينكر الشاعر نصير أن هناك ممكناتٍ ضمن المُتاح يمكنها أن تتقدَّم بالثقافة في الأردن وأن تُقدِّمَ نماذجَ عاليةً ومُضيئةً للثقافة العربية , فالأردن يضم مثقفين ومبدعين كباراً في الشِّعر والرواية والنقد والقصة القصيرة والفن التشكيلي والمسرح والموسيقى والغناء الراقي , لكن كلَّ هذه الطاقاتِ تعملُ ضمن أطُرٍ مُهمَّشةٍ , وضعيفةٍ في قُدراتها على تأمين مناخاتٍ لنشر هذا الإبداع وإيصاله للمتلقِّي الأردني والعربي .
وقال ان على الثقافة في الأردن أن لا تبقى أسيرةَ الدعم الشحيح والمشروط لبعضِ المؤسسات الثقافية الجادة والقادرة على بعث الحياة في الثقافة وجعل الأردن مركزاً مُشعَّاً للثقافة العربية , داعيا الحكومة الى القيام بتغيير جذري في آليات العمل الثقافي عبر تأسيس هيئةٍ عامةٍ للثقافة ذاتِ موازنةٍ مستقلَّةٍ وتُشكَّلُ وفقاً لقانونٍ جديدٍ من الهيئات الثقافية الحقيقية والمبدعين الأردنيين الكبار , وتضع هذه الهيئة خطط ونشاطات ومشروعات الهيئاتُ الثقافية الحقيقية للنهوض بالثقافة وإعطاء الإبداع الأردني منبره الذي يليقُ به وبالأردن .
واكد انه بغير ذلك سنبقى ندور في حلقةٍ مفرغةٍ من بيروقراطية وتهميش للعمل الثقافي الحقيقي الذي يليق بمثقفي ومبدعي الأردن .
وقال الناشر والكاتب أكرم سلامة ان المثقف مشتت ومحبط وغير قادر على الفعل لأن وضعه المالي سيء ,كما ان قدرته على قراءة الراهن ضعيفة لغياب الشفافية وشح المعلومات .
(بترا )