"ثلاث سنوات بركات"

تم نشره الإثنين 17 آذار / مارس 2014 11:21 مساءً
"ثلاث سنوات بركات"
جورج صبرة

هي عمر الثورة، زمن إبداعات السوريين في كل مكان . إبداعات شعبٍ يرد على عقودٍ عجافٍ من الاستبداد المديد . إبداعاتٍ شهد لها العالم بانبهارٍ مؤلم حزين . تبدأ من الدأب والتعب وعرق الجبين، ولا تنتهي ببذل الروح والاستشهاد وقوفاً كحَور دمشق وغوطتها، وغَرَب الفرات وزيتون إدلب، أو بتواضعٍ بليغٍ متل تراب حوران الأحمر، والحجارةِ السود في حمص العدية، أو بصمتٍ جليل ومهيبٍ كقلعة حلب ونواعير حماة . إبداعات الثورة مازالت تتفجر كنبعٍ سماويٍ لا يبخل ولا ينضب، ولا تجفُّ مواهبه. ليس أقلَّ عطاءاته حداء حوران وغناء سميح وهتاف الساروت وشعارات كفرنبل التي دخلت سجل عبقريات الثورة .

كبيرٌ هو الخذلان الذي واجهه السوريون من إخوتهم العرب والمسلمين، ومن أصدقائهم في العالم، ومن الأمم المتحدة والمنظمات السياسية والإنسانية الدولية. وعديدة هي الأخطاء والخطايا التي ارتكبت على أرض الثورة وباسمها ومن بعض المنتسبين إليها. وكثيرةٌ هي التشوهات والانحرافات التي لحقت بها، ونسبت إليها زوراً وبهتاناً. وكذلك الشوائب التي علقت بحركتها ومسيرتها بفعل النظام وزبانيته، والدول وعملائها، وأفعال النكوص والسقوط والخيانة التي لا تنتهي .

لكن ذلك كلّه وغيره كثير، لم يستطع أن يشوّه صورة الثورة وعدالة قضيتها واستحقاقها للنصر. كما لم ينجح في تلميع صورة النظام وإخفاء جرائمه، ومحاولة إعادة إنتاجه بالتمويه على مصيره المحتوم في السقوط والرحيل، رغم تزويده بكل أسباب الدعم لتأمين استمراره .

لقد نبشت وقائع وأحداث سنوات الجمر الماضية عمق سورية مجتمعاً وسلطة، أفراداً ومنظمات في كل موقعٍ وعلى كلّ صعيد. فأظهرت أعمق ما اختمر في تاريخنا من خيرٍ وحضارةٍ وتمدن، وفي أخلاقنا من شجاعةٍ وتضحيةٍ وغيرية . مثلما كشفت أسوأ ما ترسَّب في أعماقنا كأفرادٍ وجماعاتٍ من أنانيةٍ وحقدٍ وبربرية. وحُقَّ لكل سوريٍ أن يتساءل: أين كان مخبوءاً كلّ هذا التوحش؟! وهل هو من صنع إنساننا فعلاً ؟! وماذا كانت تفعل كل هذه الضغينة بيننا ؟!

غير أن السوريين صعدوا بإقدامهم وتضحياتهم إلى سماء الحرية، وجعلوا اسم سوريا قريناً لها. إلا أن أسوأ ما وقعت به الثورة بفعل عوامل ذاتيةٍ وموضوعية عديدة أنها وقعت نهباً للتدخلات الإقليمية والدولية، وصارت قضايا السوريين بأيدي غيرهم، فخسر حراكنا الكثير من نقائه واندفاعه وقراره المستقل. وبالتأكيد إمكانية التوحد والتضامن والتنسيق، وهي أمور لابد منها .

إنه التحدي الكبير للثورة وقواها المخلصة في مستهل عامها الرابع، أن تستعيد ذلك الألق والتماسك والوحدة، أن تستعيد سوريتها من كل يد، لإطلاق الطاقة المتجددة للثورة، بما فيها تلك الأيدي الوطنية السورية التي قدَّمت، وساهمت، ولم تعد قادرةً على العطاء.

ليس للثورة بديلٌ عن النصر، وبه فقط نثمِّن ونثمِّر دماء الشهداء الذين لن يغادروا الذاكرة، غياث مطر، عبد القادر الصالح، أبو فرات، باسل شحادة ، وعشرات الآلاف من الذين نعرفهم ولا نعرفهم، لكن أسماءهم مكتوبةٌ في سجل الثورة، سجل التاريخ السوري بحروفٍ من نور.

17 آذار 2014

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات