"ثلاث سنوات بركات"
هي عمر الثورة، زمن إبداعات السوريين في كل مكان . إبداعات شعبٍ يرد على عقودٍ عجافٍ من الاستبداد المديد . إبداعاتٍ شهد لها العالم بانبهارٍ مؤلم حزين . تبدأ من الدأب والتعب وعرق الجبين، ولا تنتهي ببذل الروح والاستشهاد وقوفاً كحَور دمشق وغوطتها، وغَرَب الفرات وزيتون إدلب، أو بتواضعٍ بليغٍ متل تراب حوران الأحمر، والحجارةِ السود في حمص العدية، أو بصمتٍ جليل ومهيبٍ كقلعة حلب ونواعير حماة . إبداعات الثورة مازالت تتفجر كنبعٍ سماويٍ لا يبخل ولا ينضب، ولا تجفُّ مواهبه. ليس أقلَّ عطاءاته حداء حوران وغناء سميح وهتاف الساروت وشعارات كفرنبل التي دخلت سجل عبقريات الثورة .
كبيرٌ هو الخذلان الذي واجهه السوريون من إخوتهم العرب والمسلمين، ومن أصدقائهم في العالم، ومن الأمم المتحدة والمنظمات السياسية والإنسانية الدولية. وعديدة هي الأخطاء والخطايا التي ارتكبت على أرض الثورة وباسمها ومن بعض المنتسبين إليها. وكثيرةٌ هي التشوهات والانحرافات التي لحقت بها، ونسبت إليها زوراً وبهتاناً. وكذلك الشوائب التي علقت بحركتها ومسيرتها بفعل النظام وزبانيته، والدول وعملائها، وأفعال النكوص والسقوط والخيانة التي لا تنتهي .
لكن ذلك كلّه وغيره كثير، لم يستطع أن يشوّه صورة الثورة وعدالة قضيتها واستحقاقها للنصر. كما لم ينجح في تلميع صورة النظام وإخفاء جرائمه، ومحاولة إعادة إنتاجه بالتمويه على مصيره المحتوم في السقوط والرحيل، رغم تزويده بكل أسباب الدعم لتأمين استمراره .
لقد نبشت وقائع وأحداث سنوات الجمر الماضية عمق سورية مجتمعاً وسلطة، أفراداً ومنظمات في كل موقعٍ وعلى كلّ صعيد. فأظهرت أعمق ما اختمر في تاريخنا من خيرٍ وحضارةٍ وتمدن، وفي أخلاقنا من شجاعةٍ وتضحيةٍ وغيرية . مثلما كشفت أسوأ ما ترسَّب في أعماقنا كأفرادٍ وجماعاتٍ من أنانيةٍ وحقدٍ وبربرية. وحُقَّ لكل سوريٍ أن يتساءل: أين كان مخبوءاً كلّ هذا التوحش؟! وهل هو من صنع إنساننا فعلاً ؟! وماذا كانت تفعل كل هذه الضغينة بيننا ؟!
غير أن السوريين صعدوا بإقدامهم وتضحياتهم إلى سماء الحرية، وجعلوا اسم سوريا قريناً لها. إلا أن أسوأ ما وقعت به الثورة بفعل عوامل ذاتيةٍ وموضوعية عديدة أنها وقعت نهباً للتدخلات الإقليمية والدولية، وصارت قضايا السوريين بأيدي غيرهم، فخسر حراكنا الكثير من نقائه واندفاعه وقراره المستقل. وبالتأكيد إمكانية التوحد والتضامن والتنسيق، وهي أمور لابد منها .
إنه التحدي الكبير للثورة وقواها المخلصة في مستهل عامها الرابع، أن تستعيد ذلك الألق والتماسك والوحدة، أن تستعيد سوريتها من كل يد، لإطلاق الطاقة المتجددة للثورة، بما فيها تلك الأيدي الوطنية السورية التي قدَّمت، وساهمت، ولم تعد قادرةً على العطاء.
ليس للثورة بديلٌ عن النصر، وبه فقط نثمِّن ونثمِّر دماء الشهداء الذين لن يغادروا الذاكرة، غياث مطر، عبد القادر الصالح، أبو فرات، باسل شحادة ، وعشرات الآلاف من الذين نعرفهم ولا نعرفهم، لكن أسماءهم مكتوبةٌ في سجل الثورة، سجل التاريخ السوري بحروفٍ من نور.
17 آذار 2014