عودة أدوات الحرب الباردة لاحتواء أزمة أوكرانيا
المدينة نيوز - طالبت الخارجية الألمانية بتعزيز دور منظمة الأمن والتعاون في أوروبا داخل أوكرانيا، عبر إرسال مراقبين إلى شرق البلاد بهدف تجنب سيناريو القرم.
وكانت المنظمة إحدى القنوات الدبلوماسية المعتمدة في الحرب الباردة. ومنذ مطلع الأسبوع الجاري قامت طائرات عسكرية أميركية وألمانية بجولات تفقدية فوق أراضي روسيا وروسيا البيضاء، في إطار عمل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ومهمة هذه الطائرات مراقبة أي تحرك للجيش الروسي باتجاه الحدود الأوكرانية، وأرسلت المنظمة ذاتها يوم الثلاثاء الماضي مجموعة تتكون من 12 مراقبا إلى شرق البلاد لبحث أوضاع الأقليات هناك ومدى احترام كييف لحقوقهم.
وبعد يومين ستتولى مجموعة أخرى مهمة مراقبة الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 25 من الشهر الجاري بعد الإطاحة بالرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش الذي فرّ إلى روسيا.
تجاوز المهام
بيد أن البعض قد يعتبر ما تقوم به منظمة الأمن والتعاون في أوروبا حاليا تجاوزا للمهام المنوطة بها.
ويقول توماس ريمار -من معهد الديمقراطية وحقوق الإنسان في العاصمة البولندية وارسو- إن المنظمة ربما تكون الجهة الوحيدة التي باستطاعتها التحرك على الأرض لكونها تضم جميع أطراف الأزمة، ذلك أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي تصنفهما روسيا على أنهما غير محايدين.
ويتعزز هذ الطرح في ظل تعطل مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي، في حين أن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تعتمد على قوانين وأسس يتم تحديثها منذ فترة الحرب الباردة، لتبدو اليوم مع أزمة القرم أكثر فاعلية من أي وقت مضى.
وكانت مراقبة عمليات التسلح وآليات خلق الثقة المتبادلة من أهم أدوات عمل المنظمة، غير أن وزارة الدفاع الروسية صرحت الأربعاء الماضي بأن الموقعين على اتفاقية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عام 2011 (وثيقة جنيف)، استنفدوا حصصهم لتفقد المنشآت العسكرية الروسية، معلنة أن التفتيش القادم سيكون الأخير، وهو التفتيش الذي تقوم به قوات أوكرانية.
بطبيعة الحال، يعد هذا التصريح ضربة قوية ضد "اتفاقية السماوات المفتوحة" التي وقعت عام 1992، وتتم على ضوئها مراقبة بينية (عكسية) بين الدول الأعضاء في إطار المنظمة، شرط موافقة البلدان المعنية.
ويأتي هذا التطور رغم أن روسيا كانت دائما تزكي وبقوة مبدأ المراقبة البينية، لكونها تعتبر ذلك اعترافا بها كقوة إقليمية ودولية، ومن ثمّ عملت على الالتزام وتجديد اتفاقيات المنظمة التي كان آخرها وثيقة جنيف عام 2011.
تعزيز الرقابة
من جهته، دعا وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير إلى تعزيز دور مهمة المنظمة كمراقب في شرق وجنوب أوكرانيا التي تضم أقلية من أصل روسي، في ما لم تبد موسكو وكييف اعتراضا على هذا المقترح.
يأتي ذلك وسط مخاوف من أن يكرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تلك المناطق ما قام به في القرم حين افتعل حركات انفصالية، أعقبها باستفتاء مفاجئ وفي فترة وجيزة لشرعنة الانفصال، حسب رأي الغرب.
ولأن شتاينماير يخشى هذا السيناريو، فإنه دعا إلى إرسال المراقبين في أجل "أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، وإلا سيمضي الوقت".
في المقابل، قدم الرئيس الحالي للمنظمة تيم غولدمان طلبا بإرسال مائة مراقب مدني وعسكري لمدة ستة أشهر إلى شرق أوكرانيا "لكشف الحقائق على الأرض"، كما يقول فولفغانغ ريشتر المراقب السابق في منظمة الأمن والتعاون.
ويؤكد ريشتر -الذي يعمل حاليا خبيرا أمنيا في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية- أهمية هذه المهمة في ظل "انتشار إشاعات يطلقها الجانبان، مما يدعو إلى الحيرة حول أي منطلق يتم الاعتماد عليه للتحرك سياسيا".
لكن هناك رهانا على أن تقوم المنظمة المعنية بمنع أي تحرك عسكري، لأن من يستعد لأي توغل فإنه لا يريد أن يقوم بذلك أمام وجود مراقبين دوليين وأمام مرأى ومسمع من العالم، حسب ريشتر.
وتبقى موافقة بوتين التحدي الأكبر الذي سيواجهه المراقبون الأوروبيون، لأن أي تحركات خارج إطار مراقبة العمليات البينية تقتضي موافقة جميع الدول الأعضاء البالغ عددهم 57 دولة بما فيها روسيا.
وفي مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وعد بوتين بالموافقة على عمليات من هذا النوع، بيد أنه لم يحدد مدى هامش التحرك الذي سيمنحه للمراقبين أو طبيعة العمليات التي سيوافق عليها ولا حتى السقف الزمني المسموح به.
( دويتشه فيلله )