الواسطة ظلم كبير للضعفاء
![الواسطة ظلم كبير للضعفاء الواسطة ظلم كبير للضعفاء](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/28517.jpg)
العجيب في الواسطة ، أننا نحبها ، بقدر ما نكرهها . ونجري خلفها, حتى بلغنا درجة متقدمة في الاعتماد عليها . واصبح اليقين لدينا أن أي خدمة ، لا يمكن الحصول عليها إلا بالواسطة . فنذهب باحثين عن موظف نعرفه ، ثم نكتشف بالأخير أن معاملتنا تأخرت بسببه. لأننا أضعنا وقتا طويلا في البحث عنه !!
فلهذا تعتبر الواسطة معيق حقيقي للتنمية ، كما أنها نقيض للعدالة ومؤشر على الفساد الإداري، وفيها ظلم كبير للضعفاء ؛ فإذا كان لا يحصل على الخدمة إلا من لديه واسطة فمن للناس البسطاء والفقراء والمساكين!؟
تصور مديراً عاماً ، لديه صلاحيات التعيين ، فانه يحجبها عن عامة الناس . ثم تبدأ عملية التوظيف باجتهاد وفرز منه ، بحيث يعين فقط من جاءه عن طريق وجيه ، أو قريب ، أو صديق ، في حين يقول للمواطن العادي لا يوجد وظائف شاغرة .
ثم تصور مريضاً يقال له لا يوجد سرير شاغر، ثم يذهب السرير الشاغر لمريض آخر ، ليس أحوج ، ولكنه يمتلك فيتامين واو. و قد يدخل الجامعة من تقديره مقبول او متوسط ويحرم منها من هو أعلى تقديراً . فالواسطة بقدر ما تنفع أقلية تضر بأكثرية من أبناء المجتمع .
إن أي مشكلة يمكن علاجها شريطة الإقرار بوجودها والإجماع على اعتبارها كذلك ، أما إذا لم نعترف بأنها مشكلة فستبقى وتترعرع ، وتفرخ الفساد.
والغريب في أمر الواسطة ، أن البعض يضفي عليها الشرعية ، ويسميها شفاعة حسنة . في حين نعلم علم اليقين ، أن الشفاعة الحسنة شيء آخر ، مختلف عن ما يتعارف عليه الآن بالواسطة ؛ فالشفاعة الحسنة هي إيصال صوت الضعيف ، والمظلوم الذي لا يستطيع أن يصل إلى صاحب الشأن ، لضمان حقه وأنصافه . أما الواسطة فهي أن يسلب حق الضعيف ، ليحصل عليه المقتدر أو القادر على الوصول . ولذلك فإن الصيغة الحالية للشفاعة هي واسطة ، وليست شفاعة . إلا أن تكون شفاعة غير حسنة أي سيئة .
مع أن الواسطة كأي مشكلة اجتماعية تعتبر نسبية ، ذلك أنها لا تعتبر مشكلة لجميع الشرائح ؛ فهناك فئة مستفيدة من الواسطة ، وغالبا وربما دائماً ما يكون من الشريحة المقتدرة مادياً والمتنفذة اجتماعياً وهي لذلك لا ترى في الواسطة مشكلة ، في حين تعتبر مشكلة حقيقية لشريحة كبيرة من الناس ، وهم الغلابى والضعفاء..
إن أول خطوات القضاء على الواسطة ، هو تجريمها اجتماعياً وشرعياً ، ونظامياً ومحاصرتها إعلامياً.. قد يكون في ذلك صعوبة بالغة ، نظرا لتغلغلها في وجدان المواطن ، وتداخلها مع ثقافة المجتمع الذي لم يتخلص من تقليديته التي تخلط بين الخاص والعام ، بل تحول العام إلى خاص ، لتختلط بمفاهيم اجتماعية أخرى كالفزعة والمروءة وغيرها.
ومع ذلك فكل مشكلة يمكن حلها . وقد يكون ذلك بالقرآن والسلطان . أقصد بالتوعية وبالأنظمة ، ثم تفعيل تلك الأنظمة بالعقوبات الرادعة . بحيث يكون هناك حملة وطنية تسخر لها كل الإمكانيات. بالضبط ، مثل حملات التوعية بإضرار المخدرات والتدخين وغيرها لأنها لا تقل خطرا عن تلك الآفات وغيرها من الأمراض الاجتماعية لان الواسطة ربما تؤدي وظيفة اجتماعية لفئة محدودة من الناس، ولكنها في الغالب معيق كبير لحركة المجتمع نحو التقدم.