نقابة موازية للصحافة الإلكترونية
تجرى فى الخامس والعشرين من الشهر الجارى, عملية انتخاب نقيب ومجلس نقابة جديدان لنقابة الصحفيين,وفى دورة جديدة تأتى كل ثلاث سنوات.
هل ستجرى الانتخابات هذه الدورة بنفس الزخم والحماس والقوة التى كانت تجرى فيها فى كل الدورات السابقة؟ أم أنها دورة مختلفه؟ فاترة وباردة وضعيفة ؟ وماأسباب ذلك اذا صح أنها كذلك؟ وماهى العوائق التى حالت دون طموح الصحفيين ونقابتهم العتيدة؟ وهل أدى المجلس الحالى كل ماهو مامؤل منه, وأوفى بوعوده الانتخابية والتزاماته المهنية خصوصا ماتعلق منها بموضوع الحريات الصحفية؟ وهل لى أية انتقادات خاصة وعامة على أدا المجلس الحالى؟ وماهو دور الصحافة الالكترونية فى هذه الانتخابات؟ وغير ذلك من تساؤلات عديده ومشروعة فى مثل هذه الاوقات.
سأحاول ان أكون موضوعيا وحياديا (بقدر المستطاع) فى الاجابة والتقييم , خصوصا ان لاغرض شخصيا لى هذه المرة. نعم تتسم انتخابات هذه الدورة بالفتور الشديد(حتى لاأقول النفور), وبالبرود الى درجة التجمد , وهذا ليس من شيمة رجال وبنات الصحافة الذين أعرفهم حق المعرفة. فماذا حصل للجميع تقريبا؟ ولماذا هذا السكون, بل هذه الاستكانة التى تخيم على جبين معظم الزملاء والزميلات؟ أين دور المؤسسات الصحفية الفاعل فى مثل هذه الاوقات؟ اليست هى أحد أهم اللاعبين فى الأنتخابات؟
فى الاجابة على كل تلك المقدمة الطويلة والمليئة بعلامات الاستفهام والتعجب, سأحصر اجابتى فى شكل نقاط عشر ,أرجو أن يكون فيها مايفيد الجسم الصحفى, وأن يتسع صدر الاخوة والاخوات المرشحين لها. لما قد تحمل بعض النقد هنا أو هناك. علما بأن هذه أول انتخابات أكون فيها متحررا من قيود الترشح والترشيح, بعد أن أدمنت ذلك لأكثر من عقدين من الزمن. نعم, ماأحلى طعم الحرية!!
1- لاشك ان انشغال مظم أعضاء الهيئة العامة باوضاعهم الاقتصادية المتدهورة, نتيجة تدهور اوضاع المؤسسات الصحفية نفسها, قد ساهم بشكل فاعل ورئيسى فى العزوف عن الانتخابات وشوؤنها.ولم يعد يشغل بال معظم الاعضاء الا الاهتمام بانفسهم وشؤؤن عائلاتهم, فلم يعد هناك ترف الوقت الذى يمكن أن يستثمر لا فى النقابة ولا فى الانتخابات.بالاضافة لعدم توفر المال الذى يسدد منه الاشتراك السنوى (المكسور) منذ سنتين أو ثلاث.
كما أن المؤسسات الصحفية والتى تصدر الصحف عنها(الورقية), هى التى تشعل معارك النقابة , وهى القوة المحركة للجسم الصحفى,باعتبار أن النقيب ,وبحكم القانون يجب ان يكون من الصحافة الورقية. ويحرم بقية الجسم الصحفى من تقلد منصب النقيب. فهى لم تعد معنية بالانتخابات, بل معنية بنفسها بالدرجة الأولى.وقد درجت العادة أن يكون نائب النقيب من الصحافة المكتوبة ايضا. فاذا كان النقيب من الدستور, فيجب أن يكون النائب من الرأى, والعكس صحيح تماما. وفى النهاية معركة النقابة هى معركة نقيب بالدرجة الاولى والتى عادة تتصارع بشأنها المؤسسات الصحفية, المشغولة بقضايا واهتمامات اخرى أهم , خصوصا أن وجودها نفسه أصبح مهددا.
وحيث ان معركة النقيب تكاد تكون محسومة (الا اذا كنت مخطأ) هذه الدورة, فان معركة عضوية المجلس لن تكون مؤثرة , مما ينعكس على كل الاجواء بالعزوف والنأى عن الانتخابات برمتها, ويجعل العملية الانتخابية خالية الدسم , ولالون لها ولاطعم ولارائحة, عكس الدورات السابقة تماما.
2-عندما كانت المؤسسات الصحفية قوية ماليا , كانت تدفع عن منتسبيها كل اشتراكاتهم المتأخرة, وتقسطها عليهم على فترات مريحة وسهلة. لكن هذه الدورة لا الصحف قادرة ولا الصحفيون راغبون فى المشاركة فى انتخانات باهته ومحسومة نتائجها سلفا.
وهنا فاننى احث الزملاء فى الدستور ان يفرزوا مرشحا لمنصب النقيب , ويجمعون عليه ويدعمونه بشتى السبل والطرق.كما أحث الادارة لدفع الاشتراكات عن جميع المنتسبين للنقابة وتقسيط المستحقات على 24 شهرا. ان من شأن هذه الخطوة ان تعيد الزخم للمعركة الانتخابية, والتى لا يستحب أن تكون من مؤسسةواحدة .فيجب أن يحافظ على الشكل, أم النتائج فهى غير هامة على الاطلاق.
3-ومن اسباب العزوف أيضا, أن المزايا والمكتسبات التى تمنحها النقابة لأعضائها عادة, لم تعد مغرية لأحد. فأقصى مايتمناه العضو القديم هو التأمين الصحى وهو متوفر والحمد لله, اما العضو الجديد او المستجد فانه ملىء بالاحلام والتى من المتوقع أن لاتصبح واقعا معاشا فى يوم من الايام. لذلك لا القديم متحمس للانتخابات ولا المستجد متحمس, أيضا.
لذلك, أرى أن يجتهد المجلس القادم فى البحث عن مزايا ومكتسبات لاعضاء الهيئة العامة , كى يكسبوا ثقتهم قبل صوتهم فى الدورات القادمة.
4-لاشك أن غياب البرامج الانتخابية الجاذبة والواقعية قد ساهم ايضا فى برودة المعركة. فقد اطلعت على بعض البرامج التى نشرها بعض الزملاء فى المواقع الصحفية الالكترونية الاردنية,واصبت بما يشبه الصدمة.فهى برامج غير قابلة للتطبيق, وغير واقعية,وهى فى معظمها مثالية ومن نسج الخيال, وليس لها علاقة بالواقع المعاش. فالصحفيون ناضجون ويعرفون من يدغدغ عواطفهم بالكلام الانشائى الجميل شكلا, والفارغ مضمونا.
لذلك أدعو كافة المرشحين سواء لمنصب النقيب أو للعضوية ان يكونو أكثر واقعية وأن لايسرفو باعطاء الوعود , الا اذا كانو واثقين من تحقيقها بنسبة مائة بالمائة.فخير لهم ولنا ان يتم تقديم والالتزام بخمسة وعود قابلة للتحقيق,من تقديم عشرين وعدا لايتحقق منها الا خمسة على أرض الواقع.
5-كنت أتمنى أن تكون هنا ك بعض الكتل االانتخابية فى هذه الدورة. وتحديدا أحد المرشحين لمنصب النقيب, أن يكون لديه كتلة من خمسة مرشحين على الأقل مع برنامج قوى ومهنى مدروس وواقعى وطموح. وبالتالى يكون التصويت للبرنامج والكتلة بالاضافة للاشخاص. فى هذه الحالة سيكون من السهل محاسبة الكتلة بعد نجاحها. فاذا اوفت الكتلة بالتزاماتها سيعاد انتخابها مرة تلو المرة. والا سيكون مصيرها عدم الانتخاب ثانية فى حالة عدم الوفاء باى من تلك الالتزامات.
نعم, لم يكن هنا ك كتل فى السابق, لكن كان يوجد تنافس فردى قوى بالاضافة للتنافس المؤسساتى الشديد البأس ,والذى كان يعطى الانتخابات طعما ونكهة قوية.
لذلك ,فان غياب التنافس الكتلوى والمؤسساتى سيكون أحد أهم السمات الى ستميز الانتخابات الصحفية القادمه.لذلك هى انتخابات فردية بامتيا ز.
6-لاشك أن تعاظم دور الصحافة الالكترونية سيكون مؤثرا فى انتخابات النقابة هذا العام.فالتنافس بين الصحافة الورقية والالكترونية هو ظاهرة طبيعية, بل ومشروعة.
فهنا ك مقولة اقتصادية شائعة تقول أن العملة الجيدة تطرد العملة الرديئة من التداول.
وبكل حيادية ستنتصر الصحافة الالكترونية فى نهاية المطاف, لأنها تحمل عناصر بقائها, أما الورقية فانها تحمل كل عناصر الفناء.
لكن كيف سيؤثر هذا الصراع على الانتخابات؟ فقد أخذت النقابة موقفا معاديا من الصحافة الالكترونية, وأوجب القانون على رئيس تحرير الصحيفة الالكترونية أن يكون عضوا فى نقابة الصحفيين, كى تسهل ملاحقته وبالتالى ملاحقة الموقع قضائيا!! بينما لا ينتسب للنقابة بقية محررى الصحيفة أو الموقع الالكترونى!! وبالتالى يتوجب على رئيس التحرير أن يكون أحد الصحفيين العاملين فى الصحافة الورقية بداية. فأهم شرط لقبول المتدرب الجديد, أن يتدرب فى مؤسسة صحفية(ولا يشمل التعريف هنا الصحافة الالكترونية كمؤسسة صحفية). وقوبلت هذه المظالم من العاملين فى هذا المجال بصراع خفى فى البداية سرعان ما تطور الى صراع علنى, أدى فى النهاية الى المطالبة بانشاء نقابة كاملة للصحافة الالكترونية, بموازاة نقابة الصحفيين.
كنت أتمنى تدخل العقلاء فى الجسم الصحفى لدى الطرفين, لادخال تعديلات جوهرية على قانون النقابة المعروض حاليا على مجلس النواب, بقصد ادخال تعديلات تعترف بالصحيفة الالكترونية مؤسسة صحفية وبالتالى جميع العاملين فيها صحفيون لهم صفة الانتخاب والترشح لجميع المناصب فى النقابة بما فى ذلك منصب النقيب.لكن حالة العداء هذه لن تفيد احدا, وقد تؤثر سلبا على نقابة الصحفيين, وعلى العملية الانتخابية برمتها. وقد تنتقل عدوى التفكير فى انشاء نقابات موازية الى الزملاء فى وكالة الانباء ومؤسسة الاذاعة والتلفزيون (أصحاب الحقوق المنقوصة فى تولى منصب النقيب!)
واخشى أن حالة التشظى والتبعثر هذه ستكون هى السمة السائدة بدلا من الموقف الموحد القوى.
7-لأول مرة تجرى انتخابات النقابة على وقع تعديلات جوهرية يجرى اعدادها فى غرف مغلقة وبمعزل عن الهيئة العامة, صاحبة الولاية الاولى فى نقابة الصحفيين.
وما يهمنى ويهم غيرى هو حالة التباعد التى تزداد اتساعا بين الهيئة العامة ومجلس النقابة. وهما أشبه بحالة الرأس والجسد التى يعمل كل طرف فيهما بمعزل عن الأخر.
وهما لايلتقيان الا مرة واحدة كل ثلاثة أعوام! (يوم الانتخابات).
هذا بالطبع وضع شاذ ومستغرب ويجب أن لايستمر بعد الأن. لذا يتوجب على المجلس القادم أن يسارع لوضع الخطط والبرامج التى تكفل عمل الهيئة العامة مع المجلس طوال العام. واسارع للقول ان هذا الوضع قديم ,لكنه يزداد سوءا واتساعا,مما يحتم سرعة العمل الجاد والسريع, كى لايستمر هذا الرتق المعيب بعد الأن . فمما يساعد على تفرد مجلس النقابة بكل المشهد هو ضعف الرقابة والمحاسبة الدائمة من الهيئة العامة التى لاتجتمع الا مرة واحة فى العام, وكل ثلاث سنوات من اجل الانتخابات. فكيف لهيئة عامة بهذا الشكل أن تنتخب مجلسا سويا ومتجانسا , ويكاد لايجمع بين أعضائه اى رابط ؟
8-أما قانون النقابة, الدائم التعديل والتغيير,فيجب أن ننتهى من هذه القصة المزعجة مرة واحدة وللأبد.نقابة الصحفيين من أقدم النقابات فى الاردن ويجب ان تحظى بقانون دائم تجتمع لأجله الهيئة العامة اكثر من جلسة , ثم يقدم مسودة قانون توافقى دائم يتم اقراره وعرضه بسرعة على مجلس الامة. اما التعديلات الوقتية المفصلة على القياس فهى مرفوضة جملة وتفصيلا.
يجب أن تراعى اية تعديلات شاملة على القانون المبادىء المتعارف عليها فى كل قوانين الحريات. وعلى رأسها ابتعاذ االحكومة عن اى تدخل أو ملكية فى كل المؤسسات الصحفية بشكل مباشر او غير مباشر عبر الصناديق التى تسيطر عليها. خصوصا بعد أن ثبت على وجه اليقين فشل التجربة على أرض الواقع, وكان ضررها أكبر من نفعها.السنا نردد خلف القائد :نريد حرية يكون سقفها السماء؟ فان الحرية والحكومة جسمان لايلتحفان غطاء واحدا.
9-هل لى عتب شخصى وخاص على مجلس النقابة الحالى؟ نعم, ولكنه لن يؤثر على الادلاء بصوتى حتى لمن لم يقفوا معى فى المحنة التى تعرضت لها صحيفة الدستور, قبل عامين ونصف.
ومبعث هذا العتب, هو ان مجلس النقابة لم يحرك ساكنا, وهو يشاهد سفينة الدستور تغرق رويدا رويدا. ووقعوا فى نفس الفخ الذى وقع فيه كثيرون غيرهم, بأن مشكلة الدستور تكمن فى عائلة الشريف! فتمت السيطرة على شؤون الصحيفة ومجلس الأدارة منذ تاريخ 25/7/2011 وطرد معظم أفراد العائلة المؤسِسة للصحيفة. وكان يمكن تحمل الجرح الشخصى لو سارت أمور الشركة والصحيفة الى الاما م. لكن ان يتم تسليم امورها الى اناس لاعلاقة لهم بالمهنة, مما ادى الى خسارة تعادل مايقارب ضعف رأسمالها, اضافة للخسارة الادبية والمعنوية, وتشريد معظم الكفآات, كان هو الطامة الكبرى. فالوجع الشخصى يهون أمام الوجع العام.
فقد كانت الدستور مؤسسة ناجحة بكل المعايير, تعيل أكثر من ستمائة عائلة اردنية, وتوزع ارباحا واسهم مجانية لمساهميها كل عام. وتم زيادة رأسمالها أكثر من مرة. وكان الموظف يحس بالأمان الوظيفى, والراحة النفسية, طالما هو على رأس عمله فى الدستور,
كان يمكن للمجلس أن يدافع عن المؤسسة والعاملين فيها بطريقة أفضل من اقامة خيم الاعتصام التى جلبت اوخم العواقب على المؤسسات الصحفية, وبالتالى على الصحفيين والعاملين الاخرين. وكان يتوجب على مجلس النقابة أن يهتم الزملاء من بداية الازمة وليس بعد خراب مالطا!!
10- أعود مرة اخرى الى الانتخابات الباهته فى هذه الدورة, لأقول نعم نحن بحاجة الى مجلس قوى ومتجانس وفعال, لينقذ المهنة من كل الدخلاء عليها. وان يمنع كل التدخلات فى شؤون مهنة الصحافة.ومن اى جهة غير صحفية.
ان التحديات أمام المجلس القادم كبيرة ومتنوعة . فالمهنة نفسها اصبحت مهددة بالتلاشى أو الضمور والاندثار, ان لم يتحرك المجلس لحماية المهنة من نفسها اولا ومن الخارجين عليها ثانيا.
لذلك تقع على المجلس مسؤليات جسام ,أدبية ومهنية وأخلاقية واستثمارية. فلم يعد مقبولا ان يتم استثمار أمال وعوائد النقابة بالطريقة التقليدية (ودائع فى البنوك). فهناك طرق اخرى عديدة يعرغها اصحاب الشأن الاقتصادى, وهم كثر.
ان المحافظة على هذه المهنة فى عهد العولمة والصحافة الالكترونية والانترنيت اصبح مهمة شاقة, تستلزم شحذ كل االهمم والطاقات. لأن الوقوف فى موقف المتفرج أو حتى المدافع سيؤدى الى كوارث وأخطار لا يعلم مداها الا الله. وبعكس ذلك علينا أن نستعد لقرآءة الفاتحة على روح المرحوم الذى شغل الدنيا, وعمر لأكثر من مائة عام!!