كتاب يستذكرون العطاء الزاخر في التاريخ لعبد الكريم الغرايبة

تم نشره السبت 05 نيسان / أبريل 2014 12:20 مساءً
كتاب يستذكرون العطاء الزاخر في التاريخ لعبد الكريم الغرايبة
عبد الكريم الغرايبة

المدينة نيوز- يستذكر مؤرخون وكتاب عطاء الشيخ المعلم عبد الكريم الغرايبة ، علما وباحثا ومؤرخا، قضى سنوات عمره مدونا في التاريخ، وفق منهج علمي رصين، حتى غدا علامة لافتة في علم التاريخ العربي والإنساني .

يعد العلامة الغرايبة، الذي ولد في قرية المغير بإربد العام 1923، أول أردني يحصل على شهادة الدكتوراة، وأول من نال الدكتوراة في تاريخ الدولة الأردنية، لقب بشيخ المؤرخين الأردنيين، كانت حياته زاخرة بالعطاء والعمل الأكاديمي على مدى 60 عاماً، حيث تخرج على يديه آلاف الطلبة ومئات الأساتذة .

وكانت رسالة الراحل في أول دكتوراة نالها العام 1947 حول (التجارة الإنجليزية في سورية خلال القرن الثامن عشر) ، وخلال إقامته في دمشق عمل بالتدريس في جامعتها لثمانية أعوام، ثم انتقل للعمل في جامعة الملك سعود بالرياض، إلى أن جاء تأسيس الجامعة الأردنية العام 1962 ليكون من أوائل من وضعوا لبناتها، فعمل منذ ذلك أستاذاً للتاريخ .

وكالة الانباء الاردنية (بترا ) التقت عددا من الباحثين ومحبي وتلاميذ الشيخ المعلم للحديث عن عطائه وانجازاته ، إذ يقول رئيس مجمع اللغة العربية الاردني الدكتور عبد الكريم خليفة : عرفت الراحل الشيخ المعلم استاذا لقسم التاريخ ثم رئيسا للقسم بالجامعة الاردنية وعميدا لكلية الآداب فيها ، وكانت له مؤلفات عديدة من بينها (الاتراك والعرب عبر التاريخ) وله آراء متميزة في البحث التاريخي تتمحور حول النفاذ إلى الروايات والنصوص حول المعلومة والشك فيها ,ثم اصبح عضوا في المجمع منذ ثمانينيات القرن الماضي حيث توطدت علاقتي به ، وكان يثري المناقشات والمصطلحات لاسيما في العلوم الانسانية في المجمع .

ويؤكد الاستاذ خليفة انه كانت للراحل الغرايبة مدرسة خاصة في فهم التاريخ , ويعد من المؤرخين على مستوى الامة العربية ، منوها بان على المهتمين الرجوع الى كتبه على موقع مجمع اللغة العربية .

تقول المؤرخة الدكتورة هند أبو الشعر ان ذاكرة الشيخ المعلم كانت مدربة على الشك والتحليل والتنقيب والجمع والربط والاستنتاج , مضيفة " لا أصدق أن الذاكرة البشرية تقبل بأن تتوقف عن النمو والاختزان ، وأتصور أن الأحباء الذين رحلوا تركوا لنا ذاكرتهم ، خبأوها معنا ، وديعة لا تقدر بمال الأرض كله ".

وتتوقف عند أول ذكرياتها عن أستاذها الذي تتلمذت على يديه في كل مراحل دراستها الجامعية ، فتقول " أجده حاضرا بقوة ، ربما لأنه حفر في العمق بأسلوبه العجيب في نبش المعلومات المخفية، والتي يجهد بعض الأكاديميين بإخفائها ، ليبرزوا فقط الجوانب المضيئة في تاريخ الشخصيات التي لمعتها ذاكرة الأمة ، هو لا يخبئ عنا صورة ( النيجاتيف ) ويقدمها بلا مواربة ، كان الأمر يصدمنا ونحن في أول الدرب ، لكنه كان يقول الحقيقة ويعلمنا أن علينا أن نكون في خانة الموضوعية ، ولا نخاف .

وتقول إن ذاكرتها تخبرها أن أول من علمها في الجامعة الأردنية منظومة الشك وسلمها مفاتيح الأسئلة المنهجية هو الدكتور عبد الكريم غرايبة ,وتضيف أننا تعلمنا منه أن نحترم الدلالات اللغوية ، وأن نبحث عن جذور الأحداث في الخلاصات اللغوية التي لا يجوز إهمالها، كما كان يحرص على العودة إلى الإحصاءات واستنطاقها ، كان لا يقدم معلومة دون أن يعتمد الإحصاء وهو أمر لم يعتده دارس التاريخ.

وتستذكر ابو الشعر،أن للغرايبة طريقة خاصة في تدريبنا على الكتابة، حيث كان يكره الكلام الفضفاض ويريد التعبير المباشر، وهو بالتأكيد ما لم يتوافر عادة لطلبة التاريخ، مبينة انه في إحدى محاضراته ، أملى علينا إملاء ( وهو ما لا يفعله عادة ) شروطه للكتابة في امتحاناتنا وفي أوراقنا البحثية ، وهي شروط يجب أن نعممها على طلبة الدكتوراه الذين لا يحسنون التعبير بلغة واضحة وخالية من الأخطاء القاتلة.

وتقول ان السؤال المقلق الذي طرحه علينا الدكتور غرايبة ما زال يؤرقها حتى اليوم ، سألنا ونحن في مرحلة الدكتوراه ( هل كتب العرب لأنفسهم تاريخا عادلا وصحيحا ..؟ )، وكأنه بذلك يلمح إلى أن غير العرب كتبوا تاريخ العرب بطريقة أقرب إلى العدل ، وكأنه يعرف أن هذا السؤال المقلق سيظل يعذبنا ويبعث فينا الإحساس بثقل المسؤولية ونحن نتعامل مع دراسة التاريخ وتدريسه ومن ثم عبء كتابته .

ويقول الكاتب والباحث الدكتور مهند مبيضين مدير مكتبة الجامعة الاردنية : عبد الكريم غرايبة , انكفى مؤرخا مستقلا وعاديا، محباً للطلبة وكثير الفضول،حيث يهتم بتاريخ الأمم والشعوب والأحداث النوادر والسنين الفواجع والكوارث وقيام الدول، وكان مهتما بعلم التاريخ .

ويضيف ان الغرايبة كان جريئا في آرائه وافكاره ، ارتضى بموقعه كمعلم تاريخ ، وكان ملتزما بالتعليم والتعلم، لم يكن مسعاه في الحياة إلا تعبيرا عن طموحه الذي ارتضاه، ولم يدع أي كشف او تطوير لمنهج تاريخي، والتزم الوفاء لاصدقائه وتدريس التاريخ .

ويؤكد مبيضين أن العلامة الغرايبة بدأ في مجمل معارفه مثقفا موسوعياً، حيث انتمى لجيل مؤرخين كبار أمثال عبد العزيز الدوري ونقولا زيادة وأبو القاسم سعد الله ، لافتا الى انه يغيب تاركا ثروة من المعارف ومكتبة كبيرة ومشروعا توثيقيا .

ويقول الكاتب ارحيل الغرايبة كنت أصاب بالدهشة من ذاكرة الرّجل، وحضوره الذهني، في كل مرة أقابله بها، مع أنه نيّف على التسعين عاماً، وعندما زرته وهو يرقد على سرير الشفاء في العناية الحثيثة، وتم اجراء عملية جراحية في جمجمته، نظر اليّ مبتسماً، وكنت على علم أنه لا يعرف من يأتيه، وعندما سألته عن حاله بادرني بالسؤال: ما أخبار زمزم ؟ فتيقنت أنه عرفني تماماً، وأنه ما زال يتمتع بتلك الذاكرة الواعية.

ويستذكر كيف كان يقوم دائماً بتصحيح المعلومات المنشورة والمتداولة بين عامة الناس وطلبة العلم،" وكنت في كل مرة أشعر أنني أمام كنز تاريخي مليء بالأسرار، وسجل دقيق بالأحداث الكثيرة على صعيد المنطقة والعالم، وكنت أتيقن بأن الرجل أمسك بأطراف الحكمة، وأدرك أسرار لعبة الأمم، ووصل إلى درجة الثقة واليقين".

ويضيف كنت أتحين المناسبات لأحظى بلقائه، والاستماع إلى حديثه الموثق بالسنة والشهر واليوم والأشخاص والأماكن، بدقة وثقة لا يشوبها تشويش أو نسيان او اختلاط، وكان دائماً يدعوني إلى كل مناسبة ويهديني كتبه التي تعد ثمرة عقله وتفكيره، بالإضافة إلى ما كان يغمرني فيه من العناية والاحترام الممزوج بالحب، لي ولشقيقي ابراهيم، حيث كان يتابع ما نكتب في الصحف باهتمام ويحاول مناقشتنا في بعض المعلومات من أجل القاء الضوء على بعض الحقائق الغائبة، وتصحيح بعض المواقف وتجليتها .

ويقول إن العلامة الكبير كان رجلا وطنيا وعروبيا يؤمن بأن الاسلام هو الإطار الحضاري الواسع للأمة، وقد عرف نفسه في أحد امتحانات المقابلة : أنا عربي أردني حوراني .

ويلفت الى انه سعى الى إنشاء مركز توثيق للتاريخ الإسلامي، وختم حياته بهذا المشروع الذي ترك للأجيال اتمامه وإكماله من خلال مشروع وقفيّة عبد الكريم الغرايبة في جامعة العلوم الاسلامية العالمية ، برعاية رئيسها الدكتور عبد الناصر أبو البصل الذي لا ينكر جهده وفضله في هذا المشروع.

ويقول استاذ النقد الحديث في الجامعة الاردنية الدكتور ابراهيم خليل ان الراحل الغرايبة ظل قدوة للطلبة يقترب منهم أقصى ما يستطيع ليسبر أغوارهم ويتعرف على مشكلاتهم متضامنا معهم، إذا أحاطت بهم الضغوط، وغلبت عليهم الصراعات، وعلى الرغم من أنه شغل منصب عميد لكلية الآداب لسنوات عديدة، فقد كان نعم العميد، لا يكاد أحد يشعر أو يحس بسلوك أو تصرف بيروقراطي منه، بل كان يفضل البقاء في الظل، فلا يحب الأضواء، ولا يفتعل المعارك مع الآخرين.

يشار الى انه سيقام حفل تأبين للمؤرخ العلامة عبد الكريم غرايبة في الساعة الخامسة من عصر يوم الأربعاء السادس عشر من الشهر الجاري في القاعة الرئيسية في المركز الثقافي الملكي، يتحدث فيه عدد من السياسيين والعلماء والأكاديميين والمثقفين.

(بترا )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات