مــاذا تغـيـر فــي الجـزائـر؟

تم نشره الخميس 24 نيسان / أبريل 2014 12:59 صباحاً
مــاذا تغـيـر فــي الجـزائـر؟
ياسر الزعاترة

لم يكن حصول بوتفليقة على 81 في المئة من الأصوات مفاجئا، بل ربما توقعنا أكثر من ذلك في ظل عدم وجود منافسين معتبرين، وفي ظل إدمان التزوير في الانتخابات العربية، حين يخص الأمر الزعيم الأكبر، لكن نسبة الاقتراع شيء آخر، فقد كنا نتوقع أن يتواضع القوم قليلا في النسبة، إذ أن ذهاب حوالي 52 في المئة من الناخبين إلى الصناديق لا يحدث عمليا إلا في ظل انتخابات حقيقية، وليس انتخابات محسومة كتلك التي كنا بصددها، كما أن مشاهدات الناس كانت واضحة، والنسبة لم تكن لتتعدى 20 في المئة في أحسن الأحوال.

لم يقل أحد إن بوتفليقة مرفوض بالكامل في الجزائر، فالرجل له دور يراه بعض الجزائريين جيدا في إخراج البلاد من هواجس العشرية السوداء، لكن الرفض الذي واجهه يتعلق ببعدين، الأول هو فشله في تحقيق شيء ملموس للمواطن الجزائري رغم الفائض المالي الكبير بسبب ثروات البلاد، والنتيجة هي فساد مالي وسوء إدارة مشهود، بينما يتعلق البعد الثاني بحالته الصحية التي تعني بكل ببساطة أن البلاد ستعود إلى ما كانت عليه من حيث تحكم النخبة العسكرية والأمنية بالبلاد، ربما على نحو أسوأ مما كان عليه الحال في السابق، مع أن الدولة الأمنية بقيت موجودة طوال الوقت، وتتحكم أذرعها بالبلاد والعباد.

يحدث ذلك في ظل حقيقة أن غالبية في الجزائر لم تكن مقتنعة بمسؤولية الإسلاميين وحدهم عن “العشرية السوداء”، بل إن أكثرية كانت ترى أن ما جرى كان بسبب الانقلاب على العملية الديمقراطية، ومن ثم الاختراقات التي حدثت في صفوف الجماعات المسلحة، وحوّلت بعضها إلى أدوات للقتل المجنون.

كان لافتا بطبيعة الحال أن أحدا لم يكن مقتنعا بإمكانية منافسة بوتفليقة في الانتخابات مهما كانت شعبيته. ولعل ذلك هو السبب خلف مقاطعة جميع القوى السياسية لها، مع بقاء بن فليس الذي منح العملية بعض المصداقية أكثر من طرح نفسه كمنافس حقيقي، ولا شك أن ذلك يعكس إيمان الجميع بأن بوتفليقة هو خيار المؤسسة الأمنية والعسكرية، فضلا عن الحزب الحاكم ومؤسسات الدولة العميقة، لكنه في المقابل يعكس عجز تلك المؤسسات جميعا عن إفراز رجل يمكنه الحصول على ثقة الناس، فكان أن اختارت الإبقاء على رجل على كرسي متحرك، بينما تبقى خيوط اللعبة بيدها إلى حين وفاته، ويكون بوسعها ترتيب بديل آخر.

لكن الجانب الآخر من المعضلة يتمثل في حجم التشتت في جبهة المعارضة، الأمر الذي جعلها عاجزة عن التوافق على مرشح قوي ينافس بوتفليقة، ويطرح بديلا عمليا للبلاد، مع أن ذلك لم يكن سهلا أبدا، لأن الدولة الجزائرية لا زالت قوية، ونخبتها الحاكمة هي التي تمسك بكل شيء، وربما لو فاز أحد من المعارضة، لكان مصيره مثل مصير مرسي، أو أن يخضع للدولة العميقة ويصبح مجرد واجهة لها.

في ظل سطوة الدولة العميقة في الجزائر يبدو أن البلاد في حاجة إلى ربيعها الخاص. ورغم أن ذكريات العشرية السوداء لا زالت تلقي بظلالها على الوضع، إلا أن ما جرى قبل الانتخابات، وما سيجري بعدها قد يبشر بزمن آخر مختلف.

بعد سنوات طويلة من صمت الشارع، كانت أجواء الانتخابات فرصة لحراك شعبي، تمثل في حركة “بركات”، من جهة، وعدد من النشاطات الجماهيرية الأخرى غير المسبوقة لفعاليات أخرى، وهي نشاطات كسرت حاجز الخوف من السلطة، ومن هواجس استعادة أجواء العنف القديمة في آن.

من هنا، يمكن القول إن ما جرى كان جيدا، أعني ترشح بوتفليقة وفوزه، فهو سيدفع قوى المعارضة إلى إيجاد أطر للتعاون والتفاهم على برنامج عمل يضغط على السلطة، ويفتح الباب أمام تعددية حقيقية، وليس تعددية مبرمجة كتلك التي شهدتها البلاد منذ ما قبل الألفية الجديدة.

الجزائر بلد كبير، لديه من الإمكانات البشرية ومن الثروات ما يؤهله لعبور هذه المرحلة البائسة نحو تعددية حقيقية تمنح مواطنه الكثير، وتعيد له دوره العربي والإقليمي أيضا، لكن ذلك سيحتاج إلى مرحلة نضال سلمي يتعاون فيها جميع المخلصين من شتى التيارات السياسية والفكرية. ويبدو أن للتفاؤل مكان كبير، حسب المؤشرات المتوفرة، سواءً بقي بوتفليقة حيا، أم تدخل القدر، وصار لا بد من خيار جديد بعده.

(الدستور 2014-04-24)

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات