في ذكرى احتلال فلسطين، مصطلحاتنا كطابور خامس
يجب أن نصر على القول أنها ذكرى احتلال فلسطين، لا مجرد نكبة أو اغتصاب، وفقط بالترافق مع كلمة احتلال يجوز أن نستخدم تعبير "نكبة"، لأن الاحتلال يطرح فوراً ضرورة التحرير، أما التحدث عن نكبة فحسب، فيشبه الحديث عن زلزال أو كارثة ما، كحادثة ما من الماضي أتت ومرت وليس بالإمكان تغييرها، حتى لو كانت ذكرى على شاكلة استخدام الأمريكيين للقنابل النووية في ناكازاكي وهيروشيما يصبح كل معنى إحياء ذكراها تعلم العبر والدروس وتبجيل ضحاياها. بالمقابل، عندما نقول هو احتلال أولاً وأخيراً، فإن إحياء الذكرى يصبح معناه التعبئة من أجل التحرير، لا تضييع قضية التحرير في مصطلحات الماضي بغض النظر عن حسن النوايا.
إذن القضية قضية احتلال وتحرير، لا قضية "استقلال" وإقامة "دولة"... و"حق عودة"! لأن مثل تلك المصطلحات تستهدف فقط تمرير الاعتراف بالكيان الصهيوني والتهيئة للدخول في المشاريع التسووية.
وهذا يعني أولاً أن نؤكد: 1) أن ما جرى هو احتلال، لا يزال قائماً، لا مجرد حدث مؤلم من الماضي، 2) أن اللجوء هو نتاج ذلك الاحتلال، ولم يهبط اللجوء من السماء علينا كالصاعقة فجأة لا يعرف أحد من أين، 3) أن معالجة اللجوء تكون بإزالة أسبابه وهي الاحتلال، 4) أن العودة بالتالي لا تكون بدون تحرير، 5) أن العودة تنبني على الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين، وليس على القانون الدولي أو التوسل أو “الفهلوة” بمحاولة الحصول على جنسيات “إسرائيلية” للاجئين، الخ… 6) أن الاحتلال جاء لتهديد الأمة العربية برمتها، لا الفلسطينيين فحسب، ومن هنا فإن التحرير مسؤولية كل الأمة، لا الفلسطينيين وحدهم، 7) أن السلام مع العدو الصهيوني بالتالي يتضمن استحقاقاً ضرورياً هو القبول بتوطين اللاجئين خارج فلسطين التاريخية، ولذلك فإن إسقاط خيار التوطين يعني بالضرورة إسقاط المعاهدات مع العدو الصهيوني وأي توجه للتفاهم معه.
ولنلاحظ جيداً أن الحديث عن "العودة" شيء مختلف تماماً عن الحديث عن "حق عودة"، فالحق بالشيء يحتمل إمكانية التنازل عنه، أما القول: "العودة"، بدون "حق"، فيطرح فوراً ضرورة التحرير، وربط تلك العودة باستحقاق ضروري مسبق لها هو التحرير.
أما معادل الثورة الملونة، التي تحيد التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، في حالة اللاجئين الفلسطينيين، فيقوم على طرح قضيتهم كقضية “حق” للعودة، بمعزل عن التناقض مع العدو الصهيوني، أو في سياق الحلول السياسية. ولعل أخطر شكل لاختراق وعي اللاجئين اليوم، أو الوعي المحيط بقضيتهم، يقوم على ربط “حق” العودة بالقرار 194.
في البداية نؤكد أن ربط القضية الفلسطينية بالقرار الدولي هو جريمة بحد ذاته بعد تجربتنا التاريخية مع القرار الدولي عربياً وفلسطينياً. أما نشر الأوهام حول قدرة القرار الدولي 194 على تحقيق “العودة” فيعني تعويم قضية اللجوء الفلسطيني على سطح مستنقع “الشرعية الدولية”. بجميع الأحوال، سبق أن كتبت وكتب غيري بالتفصيل لماذا لا يحقق القرار 194 “حق” عودة ولا من يحزنون. وهو قرار لا يتناول “حق” عودة اللاجئين، إلا لماماً، في فقرة واحدة من أصل خمس عشرة فقرة، وفي تلك الفقرة، الحادية عشرة، لا يتناول “حق” العودة إلا بالتوازي مع خيارات أخرى، مثل التعويض والتوطين، ولا يحدد إذا كان المقصود اليهود العرب مثلاً أم من، كما أنه يربط العودة برغبة اللاجئ بالعيش بسلام مع جيرانه، أي بما إذا كان يشكل خطراً أمنياً أم لا، ويرهن تحديد ذلك بالسلطات المسؤولة، أي سلطات الاحتلال، وليس حتى بالأمم المتحدة، وهنالك تأويلات صهيونية وغربية للقرار تعتبر أن القرار يشمل اللاجئين عام 48 لا أولادهم ولا أحفادهم، الخ… مما يمكن أن يجده ما يبحث عن الكتابات التي تفند ربط قضية العودة بالقرار 194 خاصة، أو القرار الدولي عامة.
لذلك أصر أن التوجه للأمم المتحدة، تحت عنوان تطبيق القرار 194، يوم 15 أيار، أو المسير تحت عنوان القرار 194، هو اختراق سياسي لقضية اللاجئين، يحول قضيتهم إلى ثورة ملونة ويهيئ لإجهاض العودة، وبالتالي للتوطين، عندما يضعها في هذا القالب. وثمة مشكلة حقيقية في المراهنة على القانون الدولي، وما يسمى “الشرعية الدولية”، بعد كل التجربة التاريخية للشعب العربي الفلسطيني معهما.
وهو يوم 15 أيار بالمناسبة، وليس 15 مايو، وقد بذل أجدادنا جهوداً كبيرة في تكريس المصطلحات العربية بعيداً عن الغربية، فلا شأن لنا باستخدام تعبير غربي مثل “مايو” (للسباحة مثلاً؟) بالأخص عند الحديث عن ذكرى احتلال فلسطين.