التفكير لما بعد سلطة أوسلو
تم نشره الإثنين 12 أيّار / مايو 2014 10:16 مساءً
النائب جميل النمري
اتحدث عن زيارتي مع وفد سياسي الى الضفة الغربية بدعوة من الرئاسة الفلسطينية وهي جاءت بعد ايام من زيارة رئيس الوزراء د.عبدلله النسور وفريق وزاري وقع 9 اتفاقيات تعاون مع الحكومة الفلسطينية. واثناء وجودنا هناك كان وزير البلديات م. وليد المصري يتواجد ايضا في زيارة شملت معظم بلديات الضفة.
زيارتنا جاءت بالفعل في محطة مفصلية بعد توقف المفاوضات وتوقيع اتفاق المصالحة مع أن التفكير لها جاء سابقا وتحديدا قبل شهرين في مؤتمر في عمان لأحزاب الديمقراطية الاشتراكية العربية والأوروبية، وقد شارك وفد من فتح برئاسة نبيل شعث ووفد من المبادرة الفلسطينية برئاسة مصطفى البرغوثي وكان الاحتلال قد منع عقد المؤتمر في القدس ودار حوار حول تكثيف الزيارات العربية وخصوصا الاردنية الى الاراضي المحتلة وليس فقط للقاء القيادات السياسية بل المؤسسات والهيئات المحلية فهذا يعطيهم دعما معنويا كبيرا للمرحلة المقبلة، ولم يعد هناك معنى للخلط بين العلاقة مع الفلسطينيين في الداخل والتطبيع، وكان نبيل شعث قدم تحليلا ومعلومات لا تترك مجالا للشك في نتيجة المفاوضات فالهوة اكبر من ان تردم والولايات المتحدة تتبنى الطرح الاسرائيلي بعبارات مخففة وليس أمام الفلسطينيين سوى مواصلة نضال مديد ومرير معتمدين على حقهم الطبيعي والثابت في التحرر من الاحتلال ومستفيدين من دروس المراحل السابقة تجنبهم اساليب مواجهة تلحق بهم الدمار فقط.
تولى الاخوة في قسم التعبئة والتنظيم في فتح بقيادة الأخ أبو جهاد العالول ترتيب زيارات ميدانية مكثفة في مختلف المناطق وفق برنامج مفتوح وحسب رغبتنا ولا بد من الاشادة بالجهد الخاص لمرافقينا طوال أيام الزيارة وفي مقدمتهم الأخ عكرمة ثابت الذي تولى كل التفاصيل بكفاءة وشغف الى جانب التغطية الصحفية.
ميدانيا الحال على الارض هو نفسه الاستيطان على التلال والحواجز على الطرق والتضييق في كل مناسبة ومكان لكن الفلسطيينين لم يعد يحبطهم هذا الواقع الذي اعتادو عليه ويردون عليه بالتصميم على الحياة والعمل وتطوير المؤسسية والقواعد المادية للدولة ويقارعون عدو أصبحو يعرفونه جيدا ويعرفون ادارة صراعهم مع هذا اللص والجلاد والقاتل بواقعية ووعي واصرار لا يلين .
في اللقاء معه لنصف ساعة لم يظهر الرئيس عباس محبطا أبدا من وقف المفاوضات بل أكاد أقول انه بدا مرتاحا ومنتشيا للطريقة التي توقفت بها المفاوضات فلا ضغوط على الجانب الفلسطيني بهذا الشأن، فإسرائيل هي التي قررت وقفها وهي التي يجب ان تتراجع عن قرارها وهو أنجز المصالحة ولديه برنامج طويل عريض لتطبيقها واعادة انتاج الشرعية الفلسطينية والموقف الأمريكي ضدها ليس منطقيا ولا يأخذه أحد على محمل الجد بما في ذلك الأوروبيون الذين رحبوا بالمصالحة، وقد انفتحت أمامه ساحة واسعة للعمل بعد قرار الأمم المتحدة قبول فلسطين كدولة عضو مراقب في الأمم المتحدة بما يسمح بإنظمامها الى معظم المنظمات والاتفاقات الدولية ولذلك آثار حاسمة شرحها الرئيس باقتضاب كما شرح الفرص المفتوحة لمغادرة صيغة سلطة اوسلو الى صيغة الدولة وما يترتب على ذلك بالنسبة للوضع القانوني للمؤسسات السياسية الفلسطينية. وبالمناسبة فأثناء وجودنا هناك وصل أيضا رئيس ديوان التشريع والرأي الأردني د.نوفان العجارمة للمساعدة في هذا الشأن حيث تجري الاستعانة بخبراء قانونيون لبحث معمق حول الخطوات القادمة بما في ذلك الدستور البديل الجديد للدولة بدل القانون الاساسي للسلطة.
بعد قرار قبول فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة مارست الولايات المتحدة ضغطا هائلا على الفلسطينيين لتأجيل أي خطوات أخرى وذلك لاعطاء فرصة اولا للمفاوضات وكان هذا شرطا اسرائليا للتفاوض وكذلك قبول الطلب الفلسطيني اطلاق سراح 130 فلسطيني من اصحاب المؤبدات كبادرة حسن نوايا. وكما يقول أبو جهاد محمود العالول عضو اللجنة المركزية لفتح مسؤول التعبئة والتنظيم الذي استشهد ابنه البكر جهاد برصاصة اسرائلية اثناء الانتفاضة الثانية فان كل هذا الهلع الاسرائيلي من انظمام فلسطين الى منظمات الأمم المتحدة واتفاقياتها " فتح اعيننا أكثر على قيمة هذه الخطوة وأهميتها" ويضيف " اننا بدأنا بحثا حثيثا للاتفاقات الدولية التي سننضم اليها ومعنى ضم فلسطين لكل منظمة من منظمات الأمم المتحدة، فمثلا اتفاقية جنيف الرابعة تتحدث عن الشروط والقيود على الدولة المحتلة حيث يمنع عليها اجراء اي تغييرات على الارض أو تهجير سكان أو نقلهم او استجلاب سكان وتوطينهم بينما سيصبح ممكنا جلب اي مسؤول اسرائلي أمام المحكمة الدولية بناء على شكوى من الجهة المتضررة فردا أو مؤسسة..الخ.
أطلقت اسرائيل ثلاث دفعات من الأسرى وتمنعت عن الرابعة، فبدأت السلطة الفلسطينية تعلن نيتها تفعيل طلبات الانظمام وسط تحذيرات أمريكية من ردود فعل اسرائيلية خطيرة وطلبات استمهال لحمل اسرائيل على اطلاق الدفعة الرابعة، وعندما فشلت الولايات المتحدة في انفاذ وعدها بعد مهل متتالية قامت القيادة القيادة الفلسطينية بتنفيذ قرارها فحصلت في دفعة اولى على عضوية 16 منظمة دولة ثم اقدمت على توقيع اتفاق المصالحة فردت اسرائيل باعلان وقف المفاوضات.
المفاوضات كانت موضوع خلاف عميق يثقل كاهل القيادة الفلسطينية ويحرجها بسبب استمرار الاستيطان والاتهامات ودارت توقعات مذعورة حول خطة كيري كأخطر مشروع تصفوي ونهائي تنخرط به القيادة الفلسطينية بينما الحقيقة ان الهوة بين الطرفين كانت أوسع من أي وقت مضى وكان التكتيك الفلسطيني يريد فقط دفع الضغوط وعدم تحميله مسؤولية التنكر للمفاوضات أو افشالها.
في اجتماعنا مع اعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ممثلي فصائل مختلفة ومنظمات شعبية ونقابية كان الجو أفضل كثيرا فقد ازيحت عقبة المفاوضات من وجه المصالحة وبالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية التي قد يفشل تشكيلها بسبب الخلاف على برنامجها أوضح قيس أبو ليلى ممثل الجبهة الديمقراطية بلهجة ساخرة "نريد حكومة بدون برنامج" فهذه حكومة انتقالية حكومة تكنوقراط غير سياسية لادارة المرحلة الانتقالية حتى الانتخابات لقادمة والمفاوضات على كل حال لم تكن في اي يوم شأن حكومة السلطة بل مسؤولية منظمة التحرير.
على هذا الصعيد فالوضع الآن أفضل حتما لتنسيق اساليب العمل فلا احد سيتهم السلطة الفلسطينية بالتوطؤ مع الاحتلال لأنها تعمل على الارتقاء بالادارة والمؤسسات الفلسطينية ولن يكون هناك تضارب في اساليب المواجهة مع الاحتلال كما حصل خلال الانتفاضة الثانية عندما ذهبت حماس الى التفجيرات الانتحارية وصواريخ القسام فسلطتها الآن في غزة تقتل من يخرب على الهدنة العسكرية مع اسرائيل
والحقيقة فقد قدم عضو اللجنة التنفيذية وزير العمل الفلسطيني أحمد مجدلاني معلومات مذهلة عن علاقة السلطة مع قطاع غزة تحت سيطرة حماس فقد أوضح بالارقام ان السلطة استمرت وما زالت تدفع رواتب جميع الموظفين في جميع الوزارات رغم تبعيتها لحكومة حماس كما استمرت في تغطية كلف جميع مرافق الخدمات كالصحة والمدارس والتعليم وكذلك الماء والكهرباء وأضاف ان المفارقة في الكهرباء اننا ندفع لاسرائيل كلفة تزويد القطاع بالطاقة وحماس تحاسب الناس لجيبها على فواتير الكهرباء . واوضح ان القطاع كان يقدم 35% من موارد السلطة ويحصل على 40% من النفقات أما تحت سلطة حماس الان فلم يعد يقدم فلسا ويستمر بالحصول على نفس النسبة وعلى سبيل المثال فالمواد من الجمارك كانت تناهز 800 مليون دولار توقفت نهائيا واستبدلت بتجارة الانفاق التي تعود على حماس بحوالي تسعمائة مليون دولار.
تغيير السلطة في مصر ونهاية حكم الاخوان وموقف الخليج السلبي من الاخوان وتراجع دور قطر تحت ضغط الخليج واغلاق عدد ضخم من الانفاق وضع حماس ومشروع امارة غزة في الزاوية ولم يبق سوى طريق واحد هو العودة للمصالحة التي تم توقيعها على عجل وبشروط سخية تجاه حماس تسحب اي ذرائع تعطل اعادة توحيد الكيان الفلسطيني والمرجح تشكيل حكومة وحدة وطنية من كفاءات تكنوقراطية برئاسة عباس مباشرة ووجود نائبين له من المستقلين واحد في الضفة تسميه فتح وواحد في غزة تسميه حماس.
الى جانب اللقاءات السياسية في رام لله والمحطات البرتوكولية فان الجولات في انحاء الضفة الغربية الى مدن وبلدات مختلفة واللقاءات مع القيادات المحلية والمجالس البلدية كانت في غاية الأهمية كان الناس عطشى لهذه اللقاءات وتحدثوا بعواطف حميمة عن العلاقة مع الاردن وطرحنا تكثيف الزيارات المتبادلة والتعاون بين الهيئات والمؤسسات المتناظرة كالمجالس البلدية والمؤسسات الأهلية الثقافية والاجتماعية. وفي كفر قدوم حرص رئيس المجلس البلديي وزملاءه على اخذنا الى مقبرة الشهداء حيث يرقد عدد من شهداء الحرس الوطني والجيش الاردني فوضعنا اكليلا من الزهور وقام التلفزيون الفسطيني بتصوير الزيارة ووضع اكليل من الزهور على القبور الحجرية القديمة للشهداء. والبلدة نموذج للصراع اليومي المرير مع الاحتلال فقد زرعت مستوطنة فوقها مباشرة وصودرت اجزاء من الراضيها وقطعت الطريق الرئيسية التي تصل للبلدة ليقتصر استخدامها للمستوطنة فيضطر الاهالي لسلوك طريق زراعية طويلة وسقط في المواجهات الاحتجاجية عدد من شباب البلدة التي يبرو عدد سكانها المقيمين على 4 آلاف نسمة يصرون على البقاء واجتراح سبل الحياة.
على المستوى الشعبي في المدن والبلدات بدا ان صورة واضحة ترتسم للجميع. فاسرائيل لا تريد حلا ويتسع الاستيطان والتضييق كسياسة اسرائيلية دائمة وبالمقابل فالصمود على الارض والمقاومة الأهلية يجب أن يستمرا بالنسبة للفلسطينيين كنمط حياة لأمد مفتوح بالتزامن مع بناء حياتهم واقتصادهم ومؤسساتهم مستعينين بالتضامن والاعتراف الدولي بهم وفي الأثناء تظهر أصوات تطرح التفكير بصورة جديدة وهي ما زالت خافتة لكنها تتهيأ لفتح حوار محوره السؤال حول جدوى استمرار التمسك بحل الدولتين.