الكرامةُ تستحقُ الأكثر
قادتني الأقدارُ في إجازة العيد إلى قرية الكرامة الأردنية، فأقمت فيها نهاراً وليلة، وكان مؤسفاً حجم الإهمالِ الذي تعيشه القرية الأردنية الأكثر أهميةً في تاريخ الأردن، فهذه القرية كانت بوابةً للنصر المبين على "إسرائيل". وعلى أرضِ الكرامة الطاهرة سقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر. وفيها كان للجيش العربي الأردني وِقفة عزٍّ شرّفت الأمة وحفظت للأردن استقلاله الوطني وكرامته. ففي معركة الكرامة كُتبت صفحةٌ مشرقة بيضاء تلّونت بدماء الشهداء في حياة الأمة بعد صفحات الهزائم والنكبات والنكسات التي ما زالت مستمرةً إلى الآن.
ولكن الكرامةَ القرية لم تنل بعد الاهتمام الذي تستحقه مع كل ما تنطوي عليه القرية من رمزيّة ودلالة في تاريخ الأردن، حاضراً ومستقبلاً وأبداًَ، فلا يكفي أن نتذكر الكرامة في كل عامٍ مرةً نضع فيها الأكاليل على النصب التذكاري للشهداء ثم نمضي إلى عمّان لنعود في العام القادم لنفعل الشيء نفسه مع الأكاليل والنصب والصور التذكارية.
قرية الكرامة لا تبدو أنها نالت حظها من الرعاية والاهتمام التنموي الذي يجعل منها محجاً لكل الأردنيين وضيوف الأردن. فلا الخدمات الأساسية متوفرة بالمستوى المقبول، ولا الطرق والمرافق والساحات العامة بحالة تسمح للقرية بتسهيل حياة أهلها الطيبيين فضلاً عن زوارها الأردنيين والضيوف.
القرية تحتاج إلى خُطةِ انقاذ تجعل منها مكاناً يصلح لعيش الناس بكرامة وشيء – ولو يسيرٍ- من الرفاهية، وذلك على مستوى الخدمات والطرق والمرافق والمشاريع التي تراعي خصوصية المكان وتعود بالنفع والرفاه على أهل الأرض التي حفظت كرامة الأردن واستقلاله. وهي برمزيّتها تستطيع استيعاب مرافق و أنشطة ومهرجانات وطنية تُكرّس مفهوم السياحة الوطنية/ السياسية إذا جاز التعبير، كمسرحٍ وطني، ومتحفٍ وطني ومجمعٍ رياضي وآخر تجاري، وفندقٍ أو أكثر، ونوادٍ شبابيّة ومخيماتٍ أفضل من القائم فيها حالياً. على أن يرافق ذلك ترويجاً إعلامياً ذكيّاً يُسلّط الأضواء على القرية بحلتها الجديدة ويجعل منها بؤرةً تنمويةٍ وطنيةٍ تستفيدُ من موقعها القريب نسبياً من البحر الميّت و"موقع المفطس" ومقامات العديد من صحابة رسول الله المنتشرة بكثرة في منطقة الأغوار.
وإنني لأرجو أن يكون هذا المقال دعوةً لكل مسؤولٍ إلى الذهاب إلى الكرامة لتلمس الاحتياجات التنموية للقرية والفرص الممكنة فيها والعمل فوراً لما فيه انقاذ هذه القرية الرمز فالكرامة تستحق الأكثرَ احتراماً للتضحيات الأردنية في معركة الكرامة، وتعميقاً لحضورها المعنوي في الشخصية الوطنية الأردنية وفي انطباعات زائري الأردن.