ماذا يجري في غرفة عمليات قيادة الجيش في تل أبيب ؟
لمدينة نيوز - : هذا السؤال يحاول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس " الإسرائيلية عاموس هرئيل الإجابة عليه من خلال زيارة إلى غرفة العمليات في مقر القيادة العامة للجيش الإسرائيلي في تل أبيب والتقاء ثلاثة من القادة الذين يشاركون من هناك في إدارة حروب إسرائيل.
ويصف غرفة العمليات بأنها تختلف كثيرا عن الخيال، مشيرا إلى أن هذه الغرفة التي تعتبر مركز الأعصاب في القيادة العامة تركت بصماتها على صفحات التاريخ وفق وصفه ، وفيها اتخذت القرارات المصيرية في غالبية لحظات الاختبار الأمني لإسرائيل. ولكن يخطئ من يعتقد أنها كمختبر هايتك ، فعلى الرغم من أجهزة الاتصال المتطورة وشاشات التلفزة وأجهزة الحاسوب المكتظة بالمعطيات، فان غرفة العمليات هي غرفة مظلمة جدا، تشبه مستشفى قديم أو مصنعا غاب مجده، وتتردد إدارته بترميمه والاستثمار بتطويره.
ويضيف أن غرفة العمليات تعتبر قلب العمل العسكري، والمحرك الذي يستخدمه القائد العام للجيش لتحريك الجيش كله، بواسطة مجموعة صغيرة من الضباط. وتشكل غرفة العمليات مقرا لكتيبة العمليات في القيادة العامة، وقد أسسها يتسحاق رابين في عام 1950، حيث قام ببناء غرفة العمليات تحت مقر القيادة العامة ولم يتم ترميمها إلا بعد عدوان حزيران . وبعد نقل قيادتي سلاح الجو في نهاية الخمسينيات، وسلاح البحرية، في مطلع السبعينات إلى مقر وزارة الأمن في تل أبيب، حيث تقوم القيادة العامة للجيش، أصبحت غرفة العمليات المكان الذي يصل إليه رؤساء الحكومة ووزراء الأمن في ساعات الطوارئ الأمنية.
وتحدث هرئيل هناك إلى ثلاثة مسؤولين، أشير إليهم بالأحرف الأولى من أسمائهم، لأن الجيش لا يكشف أسماء أصحاب المناصب في قسم العمليات العسكرية. ويقول هرئيل أن التغيير المركزي الذي طرأ على صورة العمليات خلال السنوات الأخيرة يتعلق بعدم الاستقرار على الحدود الإسرائيلية، والتي تحرف الاهتمام إلى حد ما، عما يحدث في الضفة الغربية. فقد حمل الربيع العربي معه تهديدات جديدة على الحدود السورية واللبنانية والمصرية، إلى جانب انهيار الجيش السوري وضعف تهديد الأسلحة التقليدية لإسرائيل بشكل ملموس.
ويقول الجنرال (ش) أن "كل مخططاتنا العملية على كل الجبهات شهدت تغييرات ملموسة بسبب الاضطراب الإقليمي"، فيما يقول (ع) أن التغيرات شملت "كل أنواع التهديدات وحجمها وانتشارها. وهناك مناطق تفتقد إلى السيطرة على حدودنا، وتنظيمات تابعة للجهاد العالمي يمكنها المشاركة في محاولة تنفيذ عمليات قرب السياج الحدودي" كما حدث مرتين على الحدود المصرية، كان أبرزها قتل ثمانية إسرائيليين على شارع 12 في آب 2011.
مع ذلك يرى (ع) أن "الوضع في نظر المواطن العادي أكثر مريحا اليوم"، بالمقارنة مع أيام الانتفاضة أو الحرب في لبنان". وأضاف "أن المواطن لا يعرف دائما الأمور التي يواجهها الجهاز الأمني. والتغيير يتطلب تغطية استخبارية وعسكرية لأنواع مختلفة من التهديدات على الساحات المختلفة، وجاهزية مختلفة للجيش الإسرائيلي. يتحتم علينا استثمار المزيد من الموارد في الاستخبارات لأن هناك الكثير من الجهات التي تعمل في الجانب الآخر." ففي هضبة الجولان، على سبيل المثال، يجري حاليا نشر قوات نظامية أكثر تدريبا، بدل قوات الاحتياط المنهكة، لمواجهة احتمال وقوع هجمات خاصة بعد انفجار عبوة ناسفة هناك في آذار أدت إلى إصابة أربعة مظليين.
ويقول (ش) إن احتمال وقوع حرب شاملة أصبح منخفضا، ولكن ازدادت مركبات الانفجار التي يمكنها أن تؤدي إلى تدهور موضعي على عدة جبهات. وبالنسبة له فان الشمال وقطاع غزة لا يزالان في مقدمة جدول الأولويات، لأن محفزات التهديد هناك كبيرة وملموسة بشكل اكبر. ولكن السيناريوهات تأخذ في الاعتبار احتمال اندلاع الحرب على الجبهتين معا. وإلى جانب العمل الدفاعي الجاري، ينشط الجيش الإسرائيلي بشكل اكبر بما يسمى "المعركة بين المعارك"، وفي صلبها العمليات الجوية والاستخبارية عبر الحدود ، التي يتم نسبها إلى إسرائيل، وفي كثير من الحالات تمتنع إسرائيل عن تحمل المسؤولية الرسمية عنها. وتهدف تلك العمليات إلى إضعاف ما أطلق عليه التقرير التنظيمات الإرهابية والعصابات المعادية، دون دهورة الأمور نحو حرب شاملة. ومرة كل بضع سنوات، كما في عملية " الرصاص المسكوب" (2008 ) و"عمود السحاب" (2012 )، تنشب مواجهة كبيرة، تجري خلالها محاولة توجيه ضربة كبيرة للخصم في سبيل تأخير المواجهة القادمة لأطول ما يمكن.كما قال .
وتقول (ت). "هناك بيان واضح من القيادة السياسية يقول انه إذا اندلعت الحرب فيجب أن تكون المعركة قصيرة، وهذا يتعلق بقدرة الجبهة الداخلية على الصمود وبالتطورات على الحلبة الدولية." وعن حرب لبنان الثانية ينقل هرئيل الحقيقة كما يعرفها الضباط، وهي أن الحرب كانت بعيدة جدا عن تحقيق نجاح إسرائيلي، وكشفت خروقات كثيرة حتمت إجراء إصلاحات. وفي أعقاب تلك الحرب تغير دور قسم العمليات.
ويقول (ش) رئيس القسم : " لقد فاجأتنا الحرب آنذاك بدون مخططات جاهزة أو معقولة، وفي ظل لهجة غير جيدة بين القيادة العامة والأذرع العسكرية. وبعد الحرب كانت هناك حاجة إلى قسم خاص للتخطيط الاستراتيجي والتنفيذي لتركيز الصفقة كلها. ومن نقاط الضعف الكبيرة التي كشفتها تلك الحرب كانت العلاقة بين القيادتين السياسية والعسكرية، واتضح لاحقا انه لم يتم حتى تخطيط الأهداف والتفاهم عليها. وكما يستدل من كل الوثائق الداخلية فقد اعتبر الجيش المواجهة مع حزب الله نوعا من لعبة تنس الطاولة المتواصلة، أما اولمرت ووزراؤه فقد بحثوا عن ضربة قاضية.
ويقول (ش) إن قسم العمليات يتحمل، أيضا، مهمة تفكيك مركبات التوجيهات السياسية، بحيث يحافظ على اتصال دائم مع القيادة السياسية وفي بعض الحالات يتم تعديل المخططات العملية في ساحة الحرب وفق توجيهات القيادة السياسية، كما حدث في سوريا مثلا. فهناك لم يعد الجيش السوري ذات الجيش ولذلك فقد تم تغيير خطة العمليات القديمة لأنها لم تعد ذات صلة. وقبل أكثر من عامين بدأ القسم بتعديل خطة العمل على الجبهة السورية، والجيش يعرف ذلك، كما يعرف أن المشهد القديم لطابور من الدبابات السورية يتجه نحو بحيرة طبريا لم يعد مسألة تشغله حاليا.
(جي بي سي نيوز )