لسان حال العرب

تم نشره السبت 07 حزيران / يونيو 2014 11:53 مساءً
لسان حال العرب
مصطفى اللداوي

السؤال الذي يتردد على لسان الكثير من العرب، وتتطلع إليه النفوس، وترنو إليه القلوب،

ليس متى ننتصر على الكيان الصهيوني، ونطرده من بلادنا، ونقيم فيها دولتنا، ونعيد إليها أهلنا، ونبني فيها مؤسساتنا، ونعمل فيها، ونحصد خيراتها، ونجني ثمارها، ونكون نحن أسيادها وسكانها، وأصحابها وأهلها،

وربما ليس متى ندخل المسجد الأقصى المبارك، فاتحين مطهرين، مكبرين ومهللين، نصلي فيه، ونزور مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه، بعد أن يتطهر من رجس اليهود، ودنس الغزاة المحتلين الغاصبين،

ولا متى تطبق الديمقراطية في بلادنا، وتتعدد فيها الأحزاب، وتتسع عقولنا لكل الآراء والتوجهات، ويصبح من الطبيعي تداول السلطات، وتغير القادة والحكومات، والقبول بنتائج الانتخابات، والتسليم بالهزيمة، والمباركة للفائز، وتمكينه من ممارسة دوره، ومساعدته بما يعينه على أداء واجبه، والقيام بمهامه، بلا نكرانٍ لنتيجته، ولا عقباتٍ توضع في طريقه،

ولا متى تزدهر بلادنا، ويعم الخير أوطاننا، ونعيش الرفاهية والرخاء، والغنى والثراء، فلا يكون فينا فقيراً ولا مريضاً، ولا شاكياً ولا محتاجاً، ولا مطروداً ولا ملعوناً، ولا نكون مدينيين ولا خاضعين، ولا تابعين ومأجورين،

ولا يسأل أحدٌ متى تصل الكهرباء إلى كل مناطقنا وتتواصل بلا انقطاع، ليعم النور والضياء، وتتبدد العتمة والظلمة، ولا نكون بحاجةٍ إلى تقنينٍ ولا إلى ترشيد، ولا نعاني من الظلام، ولا نبدد أموالنا في اشتراكاتٍ وبدائل مكلفة،

بل بات السؤال الأكثر إلحاحاً، والذي يردده أغلب العرب، ويعيش على أمل تحقيقه والوصول إليه كل الناس، حتى أصبح حلماً وأملاً، بل رجاءً وخيالاً،

متى يتوقف القتل في بلادنا، فلا نقتل في الصباح والمساء، وفي البيوت والأسواق، وفي المدارس والمساجد، وفي السيارات والحافلات، وفي الطرقات وعلى الشرفات، فلا قذائف مفاجئة، ولا غاراتٍ قاتلة، ولا براميل ساقطة، ولا صواريخ عابرة، تحمل الموت، وتنثر القتل، وتمزق الأجساد، وتبعثر البيوت والمساكن، ولا قتل على الحواجز، ولا إزهاق للأرواح في السجون والمعتقلات، ولا قنص عن بعدٍ ولا تصفية عن قربٍ، ولا فرار من الموت إلا بالموت،

متى يأمن أطفالنا، ويذهب إلى المدارس أولادنا، وتطمئن إلى سلامتهن بناتنا، فلا خطف ولا رهائن، ولا فدى ولا ابتزاز، ولا استدراج ولا خداع، ولا استغلال للصغار، ولا قهر للكبار، ولا تشتيت للأهل ولا تمزيق للعائلات، ولا تفريق للأسر والجماعات، ولا تهجير وإكراه على النزوح والرحيل،

والأهم من هذا كله، متى يعود الأمن إلى ديارنا وربوعنا، ومتى نعود إلى بيوتنا ومنازلنا، فقد اشتقنا إلى حوارينا والأزقة، وبتنا نحن إلى مدننا ومخيماتنا، وإلى قرانا وبلداتنا، التي أصبحت علينا محرمة، والوصول إليها ممنوعٌ أو دونه النفوس والأرواح، التي تزهق كل يوم، فلا تعود إلى أوطانها ولو كانت جسداً أو بقايا منه،

السؤال المحير الذي يتردد، على لسان الكبار والصغار، متى يتوقف التشريد والفرار والنزوح واللجوء، متى نعود مواطنين، سكاناً في بلادنا، نعيش بأمنٍ فيها، فلا نحتاج فيها إلى بندقية، ولا يلزمنا للدفاع عن أنفسنا فيها قطعة سلاح، بل نشعر بالطمأنينة بين أهلها، ولا نخاف من جارنا، ولا نشك في محيطنا، ولا نثق فيمن يدعي حمايتنا والدفاع عنا،

متى تزول الحواجز، وترفع نقاط التفتيش، ويغيب حامل البندقية الجاهل الأمي، الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، والذي يجهل المعرفة والفراسة، ولا يعرف على الحواجز غير السب والإهانة، والضرب والإساءة، إذ يحمل على كتفه شرعية البندقية، ويلبس على جسده سرابيل السلطة، وعقابيل الحاكم، ما يجعله فظاً قاسياً، غريباً عجيباً، حاقداً ناقماً،

القتل في بلادنا ليس قدراً، ولا هو مصيرٌ محتومٌ أبداً، بل هو عبث مقاتل، واستهتار حامل سلاحٍ مقيمٍ أو وافد، من الوطن أو قادمٍ إليه، من بني جلدتنا، ومن أقوامٍ غيرنا، ممن يتقنون لغتنا، ومن غيرهم ممن لا يعرفون ضاد لساننا، الذين جعلوا القتل في بلادنا عادة، وعلى أعتاب بلداتنا جوازاً لمرور بعضنا، وإيذاناً لدخول غيرنا،

مطالب العرب وأماني الأمة، الصغار قبل الكبار، والنساء كما الرجال، حقوقٌ وقيم، وسؤوالٌ مشروعٌ قديم، متى يسكن الأمن بلادنا، ويعود العشق إلى أوطاننا، ببراءةٍ وطهر، وشفافيةٍ وصدق، فالطيور دوماً تحن إلى أعشاشها وأوكارها، تغيب عنها قسراً أو قصداً، ولكنها إلى موطنها تعود، وفي عشها القديم تسكن، وفي محيطها تركن وتهدأ،

لا أطلب المستحيل، ولا أعيش الخيال، ولا أفكر خارج الواقع، ولا أطمع بما ليس لنا بحق، بل حلمي بسيطٌ صغير، مكانٌ آمن، وبيتٌ وارف، وسلطة حامية، وكسرة خبزٍ تقي الجوع، وعملاً يمنع الفاقة، وتضامناً يصد العدو، وحباً يحصن النفس والمجتمع، ويحمي الوطن والنفس، أفي هذا أنا حالمٌ وواهم، أم أني طموحٌ إلى حق، ومتطلعٌ إلى ممكنٍ وسهل، وباحثٌ عن ثوابتٍ وقيم.....



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات