عقد المصالحة.. وعقباتها
راوحت الخطوات التي اتخذت على طريق المصالحة الفلسطينية عند عتبة تشكيل الحكومة السابعة عشرة. وربما هذا هو العنوان الوحيد الذي نفذ من «اتفاق الشاطئ» الذي وقع بين حركتي فتح وحماس في شهر نيسان/أبريل الماضي.
وعلى الرغم من الترحيب بالاتفاق وتشكيل الحكومة، إلا أن مؤشرات عدة ساهمت بخفض منسوب التوقعات الإيجابية حول إمكانية تطبيقه والتقدم باتجاه استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية والقطع مع الانقسام وتداعياته الكارثية، وأبرز هذه المؤشرات تتعلق بآليات التوصل إلى هذا الاتفاق التي وضعته في خانة المحاصصة الثنائية وأضافته إلى سلسلة الاتفاقات التي وقعت بين الحركتين منذ أن وقع الانقسام، ثم انفجرت بفعل «ازدحام» الألغام في نصوصها وفي آليات تنفيذها.
عوامل عدة أدت برأينا وتؤدي مع استمرارها، إلى إضعاف احتمالات استعادة الوحدة، وتجميد «الانجازات» في هذا الشأن تحت سقف إدارة الانقسام. وأبرز هذه العوامل:
* التعامل مع قضية استعادة الوحدة وفق حسابات خاصة لدى كل من طرفي الانقسام. والتوقف عند رصد المكاسب والخسائر الجهوية عند الشروع في صياغة أي اتفاق بين حركتي فتح حماس تحت يافطة إنهاء الانقسام.
لهذا السبب، كان النقاش بين الحركتين يأخذ طابع المفاوضات الماراثونية التي يجهد فيها «مطبخ» كل منهما في تحضير الاقتراحات والبدائل وفق مبدأ «ما نخسره في بند نعوضه في غيره». وبالتالي يخرج الاتفاق مثقلا بالرهان على «التعويضات» التي يأملها كل طرف في سياق التطبيق.
وهذا ما يفسر أنه بعد تشكيل الحكومة والتهليل لها، اشتعلت التجاذبات بين الحركتين على خلفية عدم صرف رواتب موظفي حكومة حماس في غزة؛ وكان هذا أحد أهم «التعويضات» التي راهنت عليها الحركة في تمرير الحكومة.
* الأهم فيما سبق، أن حسابات كل من الحركتين كانت تبنى وفق قراءة آنية لعوامل قوة كل منهما؛ وفق معادلات داخلية وإقليمية. وعلى هذا الأساس كانت كل منهما تتمسك بسقف من المطالب ربطا بقراءتها الخاصة.
المشكلة الكبرى في هذا النهج، أننا نعيش في منطقة تهب فيها المتغيرات في اتجاهات مختلفة وأحيانا متعاكسة، فما حسبته حركة حماس لصالحها مع بدء صعود «الإخوان» في مصر انقلب ضدها مع أفول تجربتهم هناك. وما راهنت عليه حركة فتح والسلطة الفلسطينية من إمكانية نجاح تجربة التسوية وإنعاش الاقتصاد الفلسطيني وفق معادلاتها وإثبات قدرتها على إدارة الشأن الفلسطيني وقيادتها للمجتمع، أيضا فشل فشلا ذريعا.
وبالتالي، ووفقا لأسس الحسابات التي تبنيها الحركتان، تأتي الاتفاقات بينهما وقد رسمت لكل منهما «حصة» في الاتفاق تنسجم مع ما استطاعت تثبيته ربطا بعوامل القوة التي تتمتع بها.. ولكن مع تغير الوقائع السريع على الأرض تنشأ عند الحركة التي ترى في المتغيرات «نصرا» لها، «إرادة» جديدة في الانقلاب على الاتفاق السابق والمطالبة بآخر جديد يضمن لها «إنجازات» أكبر تنسجم مع ما حصل لصالحها من تغير داخلي أو إقليمي.. وهو الأغلب.
لهذا السبب كانت الاتفاقات التي وقعت بين الحركتين منذ «اتفاق مكة» 2007 وحتى «اتفاق الشاطئ» 2014، حبلى بالألغام والمتفجرات التي سريعا ما انفجرت وأودت بالخطوات الأولية التي تم إنجازها من هذه الاتفاقات.
* التجارب السابقة في محاولات استعادة الوحدة «إن صح التعبير» كانت تبدأ بخطوات فوقية مثل الاتفاق على تشكيل الحكومة، وتقفز عن القضايا الجوهرية التي يؤدي الشروع في معالجتها إلى بناء وقائع على الأرض تجعل من الصعب التراجع عن مسار التوجه الفعلي نحو استعادة الوحدة.
أهم هذه القضايا التقدم نحو إنجاز الانتخابات العامة من زاوية تحكيم الشعب الفلسطيني في ما يجري وأدى إلى تراكم الأزمات الفلسطينية، وتمكينه في الوقت نفسه من حقه القانوني والدستوري. وخاصة أن جميع المؤسسات الوطنية في منظمة التحير والسلطة تحتاج إلى التجديد بعد أن «شاخت» وترهلت ومنها ما تلاشى على الأرض مثل المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية ويجري الحديث عن «استحضاره» لمهمة «مستعجلة» كما حصل في محطات سابقة مع المجلس الوطني الفلسطيني عقب توقيع اتفاقات أوسلو.
* إحدى الإشكالات في الاتفاقات الفاشلة بين الحركتين، أنهما أدارتا الظهر عمليا لنتائج الحوارات الوطنية الفلسطينية، والتي نجحت منذ العام 2006 في التوصل إلى وثائق وحدودية هامة بدءا من «وثيقة الوفاق الوطني» في العام المذكور مرورا بـ«إعلان القاهرة» (2005) وصولا إلى اتفاق المصالحة في شهر أيار /مايو العام 2011.
ونذكر أنه في العام 2009 نجح مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني في التقدم على طريق حل القضايا العالقة عندما شكل لجانه الخمس وكادت في عدد منها أن تختتم مهامها بنجاح لولا أن هربت الحركتان إلى مفاوضات ثنائية واتفقتا على عدد من القضايا خارج ما تم حسمه والاتفاق حوله في جلسات الحوار الشامل؛ وخاصة فيما يتعلق بالقانون الناظم للانتخابات العامة الفلسطينية.
* نفهم أن الحوار الوطني الشامل أو بين عدة قوى وفصائل ينعقد في سياق السعي لحل أزمة وطنية قائمة. وبالتالي نفترض أن المدخل والأساس في صلاحية هذا الحوار هو تقديم المصلحة الوطنية والسعي إلى تحقيقها وإن كانت في بعض جوانبها على حساب «طموح» جهوي لدى هذا الفصيل أو ذاك.
وعلى الرغم من السمة الأخلاقية العامة لهذا المبدأ، إلا أنه وفي الوقت نفسه هو الضامن لنجاح أي اتفاق يتعلق بقضية حيوية كبرى مثل الوحدة الوطنية وسبل استعادتها.
ويمكن القول إن معظم نتائج الحوارات الوطنية الشاملة إن لم يكن جميعها، كانت صالحة للتطبيق وخالية من الألغام لأنها استندت إلى القاسم الوطني المشترك ولم تبن على حسابات ظرفية من السهل انهيارها. المشكلة الوحيدة في نتائج هذه الحوارات تتعلق بالشرط الأهم وهو توافر الإرادة السياسية لدى جميع مكونات الحالة الفلسطينية باتجاه التقدم نحو استعادة الوحدة دون رجعة.
من دون تحقيق هذا الشرط ستبقى مهمة استعادة الوحدة شعارا مؤجل التنفيذ، مع ملاحظة أن الاحتقان الشعبي الفلسطيني جراء استمرار الانقسام يتزايد. وإذا عادت التجاذبات بين حركتي فتح وحماس للاشتعال مجددا في ظل ما تقوم به سلطات الاحتلال من اعتداءات واعتقالات، فإن هذا الاحتقان سينفجر في وجه الجميع..