إسرقوا و إصرفوا ... بس لا تشتغلوا صح
’’هل لدى حكومتنا الرشيدة الجرأة لفتح باب المسائلة المالية داخل الأحزاب السياسية ؟ أم أنها تؤمن فعلاً بأن الوضع الحالي القائم أفضل بالنسبة لها حتى لا تعمل بشكل منظم ؟ ’’
ذلك هو لسان حال حكومتنا الرشيدة عندما يتسبّب إهمالها و تقصيرها في المسائلة و المراقبة لأوجه الإنفاق المالي داخل بعض أحزابنا السياسية , في نشوء بعض حالات الإعتداء على مخصصات الحزب المالية و حدوث تجاوزات و ممارسات غير شفافة يمارسها بعض المعنين داخل بعض أحزابنا .
الظاهرة هنا غير عامة خصوصاً لدى الأحزاب التي تمارس نوعاً من الضّبط و الشفافيّة الداخليّة حتى و إن تقاعست الحكومة عن أداء دورها الوظيفي و الإفتراضي في مراقبة و مسائلة المعنيّن , كجهة مانحة بالإنابة عن أموال الشعب الأردني, و لكنها قد تكون ظاهرة شبه عامة داخل الاحزاب الفردية غير المؤسسيّة .
و الغريب أن تجد من بين هؤلاء من يدّعي النزاهة و لا غرابة أن ترى ذلك الإدعاء يقوده لحد المطالبة بمحاسبة الفاسدين , و لكنه للأسف , لا يقف مع نفسه لبرهةٍ واحدةٍ من الزمن ليسئلها عن مدى قانونية تصرفاته أو نزاهة سلوكه و ممارساته .
إن غياب العمل المؤسسي داخل الأحزاب الفردية , إلى جانب وجود الإهمال الحكومي الواضح , بالإضافة إلى ترسّيخ مفهوم " الأب الروحي المؤسس للحزب " داخل تلك الاحزاب الفردية , سمح لهؤلاء بتقرير أوجه الإنفاق داخل أحزابهم بما يرونه هم مناسباً لا بما تمليه مصلحة الحزب عليهم أو تمليه مصلحة المجتمع , كل ذلك لإعتبارات خاصة غايتها حب الظهور و المشاركة و الوصول إلى منصب سياسي يشعرون أنهم يستحقونه نظير تأسيسهم لذلك الحزب و بإعتباره جُزءٌ من ممتلكاتهم الخاصة , و أنه بات حق مكتسب لهم .
الحكومة أهملت هذا الجانب الهام من وظيفتها و سمحت بترهُّلها البيروقراطي في حدوث العديد من التجاوزات غير القانونية من قبل بعض اصحاب النفوس المريضة داخل بعض أحزابنا السياسيّة , مكتفيّةً ببضع ورقات سنويّة " الميزانية العامة " أعدت بطريقة شبه محكمة , تستقبلها دونما اي إهتمام واضح لمعرفة مدى صحة أو عدم صحة الأرقام التي إحتوتها .
لا أعتقد أن حكومتنا الرشيدة غافلة عن حدوث مثل تلك التجاوزات المالية داخل بعض الأحزاب , و لكن على الأغلب هي تؤيد ذلك ضمنيّاً , فذلك الوضع أفضل بالنسبة لها من أن يكون الحزب منظّماً و مؤسسيّاً , حتى لا يفكر بالعمل الجدي و يتحول إلى مصدر قلقٍ و إزعاج لها , و لسان حالها يقول : خذوا أكثر من ذلك و أنفقوا كيفما شئتم , و لكن أبقوا على وضعكم الذي أنتم عليه , و لا تفكروا بالعمل مطلقاً.
و على ما أعتقد و جل المطّلعين بالعمل الحزبي يُشاطرني ذلك الإعتقاد , بأنه لم نرى أو نسمع مطلقاً أن حكومتنا الرشيدة طرقت يوماً ما أبواب أحزابنا لهذا الغرض بالذات , أو طلبت منهم أي مراجعة تفصيلية أو فاتورة واحدة على الأقل و لو من باب إدعائها بتطبيق مبدأ المراقبة و المسائلة على المال العام .