وزيرة الثقافة تشارك جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي - صور
المدينة نيوز :- أجمع المتحدثون المشاركون في ثالث جلسات المجلس الرمضاني لمركز الشارقة الإعلامي، التي أقيمت مساء أمس الأول (الأحد) في مركز إكسبو الشارقة، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، على أهمية الحوار بين الثقافات في المحافظة على استقرار المجتمعات، وتعزيز التواصل الحضاري لصالح القضايا الإنسانية.
وشارك في الجلسة التي أدارها الإعلامي تركي الدخيل، وحملت عنوان "حوار الثقافات"، كلٌ من معالي د. لانا مامكغ، وزيرة الثقافة الأردنية، ود. الصادق الفقيه، الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، وزياد بارود، المحامي ووزير الداخلية والبلديات اللبناني الأسبق، وأليف شفق، الروائية التركية المعروفة.
وأكد الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي على الدور الذي يلعبه الحوار بين الثقافات في إرساء دعائم السلام والاستقرار بين الشعوب، وترسيخ التوافق الفكري والاجتماعي بين مختلف دول العالم، وأشار إلى أن مجلس الشارقة الرمضاني يشكل منصة لمناقشة الموضوعات الجادة التي تلتقي على مبدأ ترسيخ الحوار كوسيلة للتفاهم والتعاون من أجل تحقيق الأمن والسعادة لأفراد المجتمع، مضيفاً أن إمارة الشارقة حريصة دائمة على تنظيم الفعاليات التي تحقق المزيد من التقارب والتوافق بين الشرق والغرب.
وحضر الجلسة الرمضانية كل من سعادة أسامة سمرة، مدير مركز الشارقة الإعلامي، والدكتورة حصة لوتاه، استاذ مساعد قسم الاتصال الجماهيري- جامعة الامارات، والدكتورة نادين الأسعد إعلامية لبنانية، شاعرة وروائية وأستاذة جامعية، والدكتورة بروين حبيب، الشاعرة ومقدمة برنامج "حلو الكلام" في تلفزيون دبي، والفنان الإماراتي أحمد الجسمي، والدكتور جاسم خلفان، ناشط وطني وكاتب اماراتي، وعدد من الشخصيات الثقافية والفكرية والإعلامية والدبلوماسية.
وأعربت معالي د. لانا مامكغ خلال مشاركتها عن سعادتها بالدور الذي تقوم به إمارة الشارقة في إبراز الهوية العربية والإسلامية، والتأكيد على روحها الفنية الجميلة من خلال تصاميم المباني الحكومية والمساجد والصروح التعليمية والثقافية في الإمارة، مشيرة إلى أن إقامة هذه الجلسة الرمضانية لبحث موضوع حوار الثقافات تشكل "صرخة" ضرورية لإعادة العرب إلى أصلهم الذي نشأوا عليه من احترام الآخر وتقبّل الثقافات الأخرى، مؤكدة أن الهوية الإسلامية تعتبر جزءاً أصيلاً من الموروث الثقافي الذي عاشته الشعوب في كل الدول العربية، وظلت هذه الهوية على الدوام حافزاً للتواصل والحوار مع مختلف الطوائف والأعراق التي شكلت الحضارة الإسلامية وبثت فيها مقومات الاستمرار على مدار قرون عديدة.
واستعرضت مامكغ جانباً من التجربة الأردنية في التعامل مع الثقافات، فأكدت أن الأردن ومنذ استقلاله ظل يرحب بالآخر، سواءً كان قادماً إليه من دول ومناطق قريبة أو بعيدة جغرافياً، وعمل على احتواء ثقافته وتقاليده وعاداته، ودمجها مع الثقافة الأردنية التي شكلت حاضنة لمختلف الثقافات التي ترجع إليها أصول مكونات الشعب الأردني، إدراكاً منه بأن تعدد الهويات الإنسانية يحقق التناغم والإنسجام، ولا يؤدي بالضرورة إلى الفرقة والتناحر، مشيرة إلى أن الأوضاع السياسية التي شهدها العالم العربي في السنوات الأخيرة أضرت التوافق الذي كان سائداً في مختلف المجتمعات العربية، وقادت كثيراً من الشعوب نحو الإنكفاء على ذاتها وهو ما كشف عن نعرات مذهبية وطائفية أضرت ببنية هذا المجتمعات.
وفي محاولة للوقوف على أهم الأسباب التي أدت إلى غياب ثقافة الحوار في الحياة المعاصرة، اعتبرت الوزيرة الأردنية الحوار وسيلة للتواصل مع الآخر، ووصفته بأنه سلوك ينشأ ويتعايش معه الإنسان، وليس مهارة يمكن اكتسابها فجأة، لذلك فإن التقصير في نشر هذه الثقافة وتعزيزها في المجتمعات العربية يرجع أساساً إلى غيابها عن البيوت في العالم العربي، حيث لم يتعود الأطفال على مشاهدة الحوار كسلوك يومي من قبل الآباء والأمهات في علاقتهما ببعضها البعض وكذلك في تواصلهما مع أبنائهما، وهو ما جعل الأسرة العربية تتعود على رفض الآخر، وعدم احترام أو تقبّل فكرة وجود رأي آخر، يجب منحه الفرصة للتعبير عن وجهة نظره في مختلف الأمور.
وطالبت د. لانا مامكغ الأسرة العربية بإعادة التركيز على القيم الإنسانية في تربيتها لأبنائها وفي حوارها معهم، مع الاهتمام بمساعدة الأطفال والشباب على تحقيق ذاتهم حتى لا يصبحوا "فريسة" سهلة أمام بعض التنظيمات التي تعتمد العنف وسيلة للتغيير، إضافة إلى تعويد أفراد الأسرة على قبول الآخر، ومنحهم الحرية لإبداء الرأي، وإبراز نقاط الالتقاء التي تجمع بين البشر كافة، على اختلاف جنسياتهم وانتماءاتهم، مشيدة في هذا الخصوص بدور الأدب المترجم في إبراز جماليات القيم الإنسانية لمختلف شعوب العالم، والتي تساعد في تذليل العقبات التي تعترض حوار الحضارات، وتسهم في جعل العالم أكثر توافقاً وتصالحاً مع مختلف مكوناته من الشعوب والدول والحضارات.
وأكد زياد بارود خلال مشاركته في الجلسة على أهمية الحوار باعتباره أمراً يتعلّق بوجودنا الإنساني، فهو ليس اختياراً يمكن تجاهله أو النظر إليه بشكل ثانوي، وإنما هو أداة ضرورية لإدارة التنوع في المجتمع، مشيراً إلى أن لبنان عانى كثيراً من غياب ثقافة الحوار بين مختلف طوائفه ومكوناته، وهو ما أدى إلى معاناة الشعب طوال العقود الأربعة الأخيرة من تأثيرات غياب هذه الثقافة، التي يبحث عنها الجميع ولكن لا أحد يفكر في البحث فيها، مضيفاً أن إحدى مشكلات لبنان تكمن في وجود بعض الحركات الأصولية التي ترفض الآخر، وهو ما يتنافى مع ثقافة الحوار التي يتم تغييبها بالفعل والممارسة.
ولفت بارود إلى التجربة اللبنانية كشفت عن كثير من الأسباب والعوامل التي أدت إلى غياب الحوار بين الفرقاء السياسيين، وأبرزها عدم اقتناع الكثيرين بأنهم يشاركون في حوارات جادة ستفضي حتماً إلى حلول، وغياب الإطار الدستوي والقانوني الذي يرسم الملامح العامة لهذا الحوار وآليات تطبيق نتائجه، والحاجة الدائمة إلى وسيط أو طرف ثالث للفصل بين الأشقاء وجمعهم على طاولة واحدة، وكذلك سيطرة الفئات القوية على إدارة الحوار وعدم رغبتها بتقديم تنازلات حقيقية من أجل تحقيق المصلحة الوطنية. مشيراً إلى أن الإجماع ليس مطلوباً في هذا النوع من الحوار، وإنما التوافق على أمور معينة تحفظ كرامة الوطن وسلامة المواطن.
وأشاد المحامي اللبناني بدور إمارة الشارقة ومركز الشارقة الإعلامي في وضع الأسس لبحث ومناقشة سبل تعزيز الحوار بين الثقافات، وتحويله من الإطار النظري إلى الجانب العملي، من خلال هذه الجلسة التي يشارك فيها باحثون من بلدان مختلفة، يجمعهم الحرص على نشر ثقافة الحوار في مجتمعاتهم، وأكد في هذا الخصوص على ضرورة ممارسة المثقف لدوره الحقيقي في المجتمع، من خلال تجاوز محاولات التغيبب التي يقوم بها البعض لإقصاء المثقفين عن جلسات الحوار، وأخذ زمام المبادرة بأن يكون المثقفون ومن يتحالف معهم من مؤسسات المجتمع المدني، شركاء فاعلين ومؤثرين في الحوارات المجتمعية، لإختراق جدران الصمت، وإحداث تغيير حقيقي يحافظ على السلام الداخلي في المجتمعات المختلفة.
من ناحيتها، ركزت الروائية التركية أليف شفق في مداخلتها على الدور الذي تلعبه الثقافة في تعزيز الحوار، وأكدت أن وضع حوار الثقافات على أجندة هذه الجلسات الرمضانية هو انتصار للثقافة على السياسة والاقتصاد اللذان يسيطران على محور الحوارات التي تحدث في بلدان العالم، في حين أن الثقافة وحدها هي القادرة على إحداث التقارب والتحاور الحقيقي بين المجتمعات، لأنك ستفهم الشخص أو المجتمع الذي تريد التواصل معه من خلال قراءة مؤلفاته وأعماله والتعرف على ثقافته عن قرب، خاصة أن الكتب تتضمن الكثير من تفاصيل الحياة الإنسانية التي نكتشف أنها جزء منا أو على الأقل قريبون جداً منها، وهو ما يسهم في تقريب وجهات النظر، وتفهم ظروف واحتياجات الطرف الذي نتحاور معه.
وأشارت شفق إلى أن واحدة من أبرز المشاهدات التي تعكس غياب ثقافة الحوار عن المجتمع التركي هي الإقبال الكبير من قبل النساء في تركيا على قراءة الروايات، وبنسبة تصل إلى 85%، مقارنة بالرجال الذين يهتم حوالي 15% منهم فقط بهذا النوع من القراءات، نظراً لتركيز الروائيات التركيات على الجانب الإنساني في أعمالهن، مقابل اهتمام الروائيين الأتراك بالسياسة التي تسهم في إحداث الفرقة والخلاف في المجتمع. معربة عن ثقتها بأن المكونات الفريدة للثقافة التركية يمكن أن تشكل عنصر تقارب مع مختلف دول العالم، لما تتمتع به من قيم إنسانية مؤثرة، لكن بشرط ابتعادها عن الجانب السياسي الذي يعمل على تغييب الحوار، ويلغي التعددية الموجودة في المجتمع.
وقالت شفق أن مشكلة أصحاب الأفكار المتطرفة تكمن في إيمانهم المطلق بوجود هوية واحدة لكل البشر، وهو ما يلغي فكرة وجود الحوار لأنه لا يمكنك الجلوس على طاولة واحدة أمام شخص لا يعترف بوجودك أصلاً، وأعربت عن حزنها لربط العالم الإسلامي بصور التطرف والعنف، وإعطاء صورة غير واقعية عن الحياة في الدول الإسلامية التي تعيش فيها فئات من أصول متعددة، وأديان مختلفة، مطالبة الكتاب والمفكرين والشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي بإسماع صوتها عبر وسائل الإعلام، لإبراز التعددية الثقافية في البلدان التي تقيم فيها، وتغيير الصورة النمطية السلبية التي تسهم بعض الجماعات في تكوينها، بما يشوه الصورة الحقيقية لسماحة الدين الإسلامي وقبوله بالآخر وبالحوار معه.
وختمت أليف شفق بالتأكيد على ضرورة الالتزام بالتواضع عند الدخول في حوارات مع ثقافات أخرى، لأن الاستعلاء يبعد الآخر عن هذا الحوار، لأنه سيكون بين طرفين مختلفين في القوة، حتى لو كان ذلك من جانب معرفي نظري، مشيرة إلى أن الترابط بين دول العالم في هذا العصر، يزيد من أهمية الحوار بين الثقافات التي تشكل مجتمعة هذا العالم، مضيفة أننا بحاجة دائمة إلى التواصل مع أشخاص مختلفين عنا، من ثقافات متباينة، لأن هذا الاختلاف هو الذي يسهم في تطور المجتمعات ونهضتها، فالإنسان لا يمكن أن يتعلّم ممن يماثله أو يتشابه معه، ولكنه سيستفيد كثيراً ممن يختلف عنه ويتعاون معه من أجل الإنسانية.
وتناول الدكتور الصادق الفقيه في مشاركته تجربة منتدى الفكر العربي في تشجيع حوار الثقافات، وقال إن العقود الثلاثة التي مرت على المنتدى منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن العشرين، شهدت الكثير من الصراعات والأحداث التي زادت من أهمية الحاجة إلى الحوار، سواءً ما كان متعلّقاً بالحوارات الداخلية بين مكونات المجتمعات العربية أو بين الدول والشعوب الأخرى التي يتكون منها المجتمع الدولي. وأشار إلى أن هدف المنتدى منذ إنشائه كان هو الرغبة في تعريف الثقافات الأخرى بالعالم العربي، وتوفير الأرضية المناسبة للتعاون في مختلف المجالات، خاصة في ظل وجود العديد من الشخصيات المؤثرة ضمن عضوية المنتدى الذي يضم عدداً كبيراً من صناع القرار، والمسؤولين السياسيين، والأكاديميين البارزين من الدول العربية كافة.
وأكد د. الفقيه أن الحوار يمثل حاجة وجودية لا يمكن الاستغناء عنها، وهو يتطلب هامشاً من الحرية التي تشكل دافعاً داعماً لهذا الحوار، مضيفاً أننا بحاجة إلى الحوار العميق من أجل اكتشاف ذواتنا قبل الحاجة إلى الحوار مع الآخر المختلف عنا، لأن حوارنا مع أنفسنا سيساعدنا على التخلّص من الجماعات التي تعيق تواصلنا مع الثقافات الأخرى، لعدم إيمانها أو اعترافها بوجود هذا الآخر الذي نريد التحاور معه، مشيراً إلى الثقافات الأخرى لا يمكن أن تشكل نوعاً من أنواع الغزو أو الاستعمار الذي يروج له البعض، لأن الثقافة تعتبر أداة بناء وتطور، ولا يمكن التعامل معها باعتبارها خطراً خارجياً ينبغي مواجهته أو التصدي له.
وأعرب د. الصادق الفقيه عن ثقته بأن مبدأ الحوار بين الثقافات يشكل وسيلة لمواجهة المفاهيم والنظريات السلبية التي قيّدت الحوار مثل الاختراق أو الغزو الثقافي وصراع الحضارات، مشيراً إلى هذه المفاهيم اتخذها البعض مبرراً لتشكيل مواقف سلبية تعطل الإيجاييات في حياتنا، وتعمل على تعزيز الجدل والخلاف الذي لا نهاية له، مضيفاً أن الحوار سيظل حاجة إنسانية لا يمكن إلغاؤها أو تغييبها عن الحياة لأنها تشكل الأساس الذي تقوم عليها العلاقات بين مختلف الشعوب، ومن غير الحوار لن يجد العالم أمامه سوى المصاعب والأزمات التي لن تسلم دولة من تأثيراتها السلبية أو مخاطرها، ولذلك ينبغي أن يكون الحوار أمراً ضروريا للمحافظة على جودنا الإنساني.
وشهدت الجلسة العديد من المداخلات والتعليقات من قبل الحضور، الذين أجمعوا على أهمية تأسيس ثقافة جديدة للحوار، تنطلق مع الأطفال في البيت والمدرسة، من أجل المحافظة على هذه الثقافة كوسيلة للتقارب الفكري والتواصل الحضاري مع مختلف شعوب العالم.
وتتواصل جلسات مجلس الشارقة الرمضاني يوم الأربعاء 9 يوليو من خلال جلسة "حوار الخطوط بين المسافات" التي ستخصص لمناقشة ملحمة عناقيد الضياء، التي دشنت من خلالها إمارة الشارقة برنامج احتفالاتها باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، وسيشارك في هذه الجلسة نجوم العمل خالد الشيخ، ولطفي بوشناق، وعلي الحجار، وحسين الجسمي، ومحمد عساف، وستديرها الإعلامية اللبنانية الدكتورة نادين الأسعد.
صور :