خبراء عسكريون: التحاق أحد عناصر الجيش اللبناني بـ”النصرة” حادثة فردية

المدينة نيوز - : رأى خبراء عسكريون وضباط متقاعدون في الجيش اللبناني، أن فرار أحد عناصر الجيش والتحاقه بـ”جبهة النصرة” في سوريا لا يشكل “حتى الآن” أكثر من حادثة “فردية” لكن “طبيعية”؛ لأنها تعكس واقع تصاعد “التحريض” المذهبي في لبنان.

واعتبر هؤلاء الخبراء والضباط أن هذه الحادثة “أقل ما قد يواجه” الجيش الذي شهد أزمات كبيرة استطاع تخطيها، ولم يستبعدوا مزيدا من عمليات الفرار.

ولفت العميد المتقاعد والخبير الاستراتيجي إلياس حنا، في حديث لوكالة الأناضول، إلى البعد السياسي للقضية، معتبرا أن خطورتها تكمن في أن ظهور الحركات المتشددة كـ”النصرة” و”داعش” (الدولة الإسلامية) وإعلان الخلافة خلق “ملاذا آمنا” لكل من يريد الاعتراض داخل المؤسسة العسكرية اللبنانية.

ورأى حنا أنه لا يمكن فصل ما حدث عن “مسار معين بدأ مع اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري “بانفجار ضخم في وسط بيروت يوم 14 فبراير/ شباط 2005، واستمر مع هجوم “حزب الله” والميليشيات المتحالفة معه على بيروت في 7 مايو/ آيار 2008 “وتهديد ضباط سنة بالاستقالة (من الجيش)، واسقاط حكومة (الرئيس سعد) الحريري خلال تواجده في واشنطن” في يناير/ كانون الثاني 2011.

وأضاف ان كل ذلك مضافا اليه “عدم قدرة الحريري على العودة الى بيروت واحداث سوريا ودخول حزب الله فيها وكذلك احداث مدينة طرابلس (بين السنة والعلويين) والتفجيرات فيها”، أدى إلى “خلق شعور عند السنة بأنهم مستهدفون وادى الى احساس بالبعد عن المؤسسة العسكرية، وهذا غير صحيح”.

وكان أحد جنود الجيش اللبناني ويدعى عاطف سعد الدين من اللواء الثامن، أعلن الاربعاء انشقاقه في تسجيل فيديو بثه موقع “المنارة البيضاء” الإلكتروني التابع لجبهة النصرة، متهما الجيش بأنه “أداة” بيد “حزب الله” الذي يقاتل منذ العام الماضي بشكل علني إلى جانب قوات النظام السوري ضد كتائب المعارضة السورية.

وظهر في الفيديو سعد الدين بلباسه العسكري وخلفه علم “جبهة النصرة” ليكون أول جندي يفر من الجيش اللبناني ويلتحق بفصائل المعارضة المسلحة في سوريا.

العميد المتقاعد هشام جابر رفض في حديث لـ(الأناضول) وصف ما حصل بأنه “ظاهرة”. وقال إن فرار سعد الدين من الجيش اللبناني “حوادث فردية تحصل لأسباب اجتماعية أو طائفية أو مذهبية”، موضحا أن هذا “الفرار طبيعي جدا بل ومنتظر؛ لأنه انعكاس لما يجري في المجتمع اللبناني؛ فالجيش مجتمع كبير يعكس انقسامات المجتمع حيث هناك بعض البيئات الحاضنة للإرهاب”.

ورأى جابر أن الخطاب الذي توجه به سعد الدين عبر موقع “يوتيوب” على شبكة الإنترنت “لا قيمة له”، واصفا اعلان انشقاقه بأنه “عملية سخيفة لا تتعدى قصة فرار مجند”، مشيرا الى انه خلال الحرب الاهلية في لبنان (أبريل/ نيسان 1975 – أكتوبر/ تشرين الأول 1990) حصلت عمليات فرار كثيرة مشابهة وإحداها “ضمت 20 جنديا دفعة واحدة”.

وقال إن هذه ليست “حالة شاذة”، مشيرا إلى انه منذ سنتين اكتشف الجيش “تلميذ ضابط (طالب في مدرسة عسكرية) ينتمي لجماعات متشددة فجرى تسريحه”.

وأوضح أن “هناك دائما حالات مماثلة في الجيش يجري اكتشافها وتكون متطرفة دينيا او حزبيا ويجري تسريحها لكن من دون ضجة اعلامية على العكس مما يحصل الآن”.

ورأى أنه من الممكن ان يكون سعد الدين تعرض “لعملية غسل دماغ” من قبل “المجموعات التكفيرية”.

وقال إنه من “الممكن ان نشهد عمليات فرار جديدة لعدد من الجنود بين 2 الى 20 وربما بينهم ضباط صغار في السن سهل غسل دماغهم لكن ذلك لن يؤثر على جيش عداده يتعدى 45 الف جندي”، شارحا ان ما “يعد خطرا هو انشقاق فعلي بالمئات وضمنه رتب عالية”.

من جانبه، قال اللواء المتقاعد عصام ابو جمرة، ان ما حصل “يحصل في كل جيوش العالم”، مشددا على ان هذه “ليست الحادثة الاولى ولن تكون الاخيرة بل هي اقل ما تعرض له الجيش”.

وتوقع ابو جمرة في اتصال مع “الاناضول”، “مزيدا من الانشقاقات على هذا المستوى”، لكنه اضاف ان “لبنان وجيشه سيصمدان”.

وذكر بأن هذا الجيش استطاع ان يتخطى حالات تمرد وانشقاقات اخطر في الماضي خصوصا ايام الحرب الاهلية، مشيرا الى انشقاق الملازم اول احمد الخطيب في يناير/ كانون الثاني 1976 مع مئات من العناصر بدعم المجموعات الفلسطينية وتأسيس “جيش لبنان العربي”، وكذلك انقلاب العميد عزيز الأحدب قائد المنطقة العسكرية في بيروت بعد شهرين، وانشقاق الرائد سعد حداد مع عشرات من عناصر الجيش وتشكيله ميليشيا “جيش لبنان الجنوبي” الموالية لاسرائيل في العام نفسه، وصولا الى انقلاب 6 فبراير/ شباط 1984 حين هاجمت ميليشيات حركة امل الشيعية برئاسة نبيه بري، رئيس البرلمان الحالي، مواقع الجيش اللبناني في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت.

وشدد على ان القضية “تبقى حتى الآن ظاهرة فردية لان الجو العام السني يرفض هكذا تصرفات”، مشيرا الى ان “فرار عسكري شاذ من جيش يضم نحو 50 الفا ثلثهم من السنّة امر غير مستغرب وسط التجاذبات المذهبية والتفجيرات التي تشهدها البلاد”.

لكن ابو جمرة حذر من أن “الموضوع يصبح خطرا وذا اهمية اذا دعت القيادات السياسية المذهبية عناصرها الى ترك الجيش”، مذكرا بما حصل عام 1984 حين دعا الزعيم السياسي الشيعي نبيه بري افراد طائفته الى ترك الجيش.

وأضاف: “كنت وقتها قائدا للواء السابع وانشقت تقريبا سرية بكاملها حيث ترك 150 عنصرا مواقعهم والتحقوا بميليشيات حركة امل في قلب الضاحية الجنوبية لكن رغم ذلك لم يتأثر الجيش وبقي اللواء السابع يقوم بمهماته على الجبهة”.

وفي هذا السياق، اكد حنا ان ما قام به سعد الدين “يعني اننا نذهب الى مرحلة جديدة ليست خطرة، لكن ستكون كذلك اذا استمرت وتدهور الوضع″، معتبرا ان “النظرة الى العناصر السنّية داخل الجيش قد تتغير”.

ولفت الى ان ما يجعل هذا الالتحاق ب”جبهة النصرة” يأخذ ابعادا جدية هو انه “بعد احداث العراق وظهور داعش والنصرة وجد من يريد ان يعبر عن اعتراضه ان لديه بديلا ونموذجا يلجأ اليه ويحميه هو الخلافة وداعش”.