وزراء فَقَدوا دستوريتهم..!
يقسم الوزراء المكلّفون يميناً دستورية أمام الملك هذا نصّها: (أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للملك وأن أحافظ على الدستور وأن أخدم الأمة، وأقوم بالواجبات الموكولة إليّ بأمانة)، وهو قسم عظيم، ومنْ يحنث به من الوزراء، سوف يقف بين يدي ملك الملوك ويُحاسب حساباً عسيراً..! أما يرصده الإنسان البسيط، فضلاً عن المتابع، فإن بعض الوزراء لا يلبث، مع بريق السلطة، أن ينسى القسم، وبعضهم يحنث به تحت ذرائع واهية وبصور مختلفة ومتفاوتة، وقلّما تجد وزيراً ملتزماً بكل حيثيات ما أقسم عليه، والنتيجة ما نراه من هبوط في مستوى حمل المسؤولية، وبالتالي ما تشهده البلاد من إخفاقات وخراب في هذا الجانب أو ذاك..!
وليس المهم الخراب، بقدر ما تبرز مسألة دستورية وقانونية على جانب كبير من الأهمية، ولم يلتفت إليها أحد عبر عشرات الحكومات الأردنية التي تشكّلت، وهي أنّ أي إخلال بالقسم من قبل رئيس الحكومة أو الوزير يؤدي إلى إفقاده المناط الدستوري لتكليفه، فإذا كان مدركاً لذلك وأميناً، وجب عليه أن يطلب إعفاءه من منصبه، ولكنْ أنّى لمن حَنَثَ بالقَسَم، قاصداً، أن يفعل ذلك..!؟ أما إذا لم يفعل وَعَرَفَ بشأنه أولو الشأن، ملكاً أو رئيس حكومة أو برلماناً، فإن على هؤلاء أن يبادروا إلى عزله، وما لم يفعلوا فإن استمرار هذا الوزير في منصبه، استمرار لا يُقرّه دستور الدولة، ويتناقض مع الصالح العام.
قد يقول البعض بأنني أبالغ، أو أتزمّت كثيراً في التفسير، ولكن النظرة المتعمقة للموضوع، تكشف مدى أهمية هذا التكييف الدستوري القانوني..! وفي مسح بسيط لمعظم حكوماتنا، رؤساء ووزراء، نجد أن الغالبية حنثوا بيمينهم، فثمّة منْ لم يُخلص للملك، وثمّة منْ لم يحافظ على الدستور، وثمّة منْ لم يخدم الأمة، وثمّة منْ لم يقم بالأعمال الموكولة إليهم بأمانة، وفي المحصّلة فَقَدَ هؤلاء مناط تكليفهم الدستوري بحنثهم بالقسم الدستوري العظيم..!
هذه ليست نظرة سطحية للأمور، كما قد يبدو للبعض، ولكنها الأساس المتين في بناء الدولة، والحفاظ على هيبتها واستقرارها، والوصول إلى رضا الشعب، ومساعدة رأس الدولة على إشاعة العدل بين الناس وتطبيق الدستور بحذافيره دون تمييز بين مواطن وآخر..
أمّا أن تجد رئيس حكومة أو وزيراً ما أن يغادر قصر القَسَم حتى تراه ساعياً لتنفيع أقاربه ومحاسيبه وأصدقائه على حساب الآخرين من أصحاب الحقوق ضارباً بعرض الحائط مبادىء العدالة والشفافية والنزاهة، فهذا قمين بأن يُقذف به من سُدّة أمانة المسؤولية، لأنه حنث بما أقسم عليه وبه، وخان الأمانة، ونقض الدستور، وبالتالي لم يعد أهلاً للثقة، ومنْ لم يعد أهلاً للثقة وجب عزلُه، ولا يجوز إبقاؤه في موقع مسؤولية أو ولاية عامة..!
دَعُوْنا، أيها السادة، نفهم الأمور بهذا الشكل، ودَعُوْنا نُصرّ على تطبيق الدستور في هذه المسألة تحديداً، وسنرى أن الأمور لدينا سوف تتغيّر إلى الأفضل، وسوف نشعر جميعاً بهذا التغيير.. فقط لنمنح أنفسنا فرصة.. لخير الوطن والدولة والمواطن..
هل أسرد أسماء وزراء في الحكومة الحالية نقضوا الدستور وحنثوا بالقسم العظيم،.. هل أحكي بعضاً من تجاوزاتهم وتنفيعاتهم للمحاسيب والأقرباء والأصدقاء..!؟ ألاَ تُعدّ أفعالهم هذه نقضاً لأمانة المسؤولية، ونقضاً لخدمة الأمة، ونقضاً للإخلاص للملك..!؟ ألا يُعدّ هؤلاء فاقدين للمناط الدستوري لتكليفهم وبالتالي فإن استمرارهم في الحكومة غير صحيح دستورياً وأخلاقياً وسياسياً..!!؟ مجرد تساؤل بريء، مُنزّه عن أي مأرب شخصي، لكنه تساؤل مهم ومهم جداً.. وإذا سنحت فرصة قريبة سأذكر ممارسات بعض وزراء الحكومة الحالية التي تصب في هذا النقض الدستوري الأخلاقي السياسي، مع يقيني بأن ذلك لن يحرّك ساكناً، لا بل سنشاهد بعضهم على منصّة القَسَم من جديد..!