معادلة "حصار مقابل حصار"
اعتمد الاحتلال الإسرائيلي طوال حروبه مع الدول العربية على استخدام أسلوب المماطلة والمراوغة بعد المواجهة العسكرية للوصول إلى اتفاقية تناسبه وتحمي وجوده على ثرى أراضينا المحتلة عام 1948م.
لكن من إفرازات ونتائج معركة العصف المأكول ( حرب الاحتلال على غزة 2014م ) هي مواجهة هذا الأسلوب من خلال المعركة السياسية وصمود الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة بالاستناد إلى ما حققته المواجهة البرية بين المقاومة والاحتلال على تخوم قطاع غزة التي انتهت بهزيمة قاسية للاحتلال.
وبدعم من النظام المصري الحاكم تحاول حكومة نتنياهو الوصول إلى اتفاق يكون بمثابة طوق النجاة من الهزيمة، حتى يُحقق لها هذا النظام ما لم تحققه هي عسكريا في ميدان القتال، وذلك من خلال السعي لتبريد المعركة السياسية بالانتقال من هدنة إلى أخرى وتغيير طرق التفاوض بالمغادرة والعودة وذرائع الأعياد وغيرها من الطرق المخادعة حتى لا يظهر على وفد الاحتلال أنه مماطل ومتلكئ. في المفاوضات.
فالاحتلال يدرك جيدا أن جبهته الداخلية لا تحتمل المكوث في الملاجئ لأسابيع أخرى في رعب صفارات الإنذار وعمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، لكنها في نفس الوقت لا تريد الرضوخ للشروط الفلسطينية بهذه السهولة وتعول كثيرا على الدور المصري للضغط على المقاومة الفلسطينية لتحقيق تهدئة طويلة الأمد تلبي مطالبه لا مطالب المقاومة.
فعندما لمح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في خطابه الأخير أن المقاومة ورغم فارق الإمكانيات والوسائل تستطيع تحقيق معادلة " حصار مقابل حصار "، ليذوق الاحتلال جزءا مما ذاقه الفلسطينيون طوال ثمان سنوات من حصار ظالم ألقى بظلاله على جميع مجالات الحياة في غزة.
الحصار الذي أحدث شللا كبيرا في معظم المرافق الحيوية في غزة، سيكون مثله الذي سيحدث شللا في قطاع السياحة وقطاعات أخرى حساسة لدى الاحتلال مما سيتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة جدا لم يتوقع حدوثها في يوم من الأيام.
وهذا ما يؤكده الخبير العسكري صفوت الزيات عندما قال: نجاح المقاومة في شل حركة الطيران في "إسرائيل" أكبر من نجاحها في أسر الجندي، فتملك المقاومة الفلسطينية بعمودها الفقري حركة حماس خيارات متعددة في إطالة المعركة وفرض حصار على الاحتلال يمتد لفترة زمنية هي وحدها من يقرر مدته إلى أن يرضخ الاحتلال لمطالبها، في حال فشلت المفاوضات السياسية.
هنا يتحقق ما قالته المقاومة الفلسطينية: إذا بدأ الاحتلال المعركة فلن يكون هو من يقرر متى وكيف ستنتهي، لأن المقاومة ماضية ودون رجعة في تحقيق مطالب شعبها الذي يعيش تحت نير الاحتلال منذ عقود طويلة تعرض خلالها لحروب وجراح نازفة.
لا شك أن المقاومة فرضت واقعا ومعادلة جديدة من منطلق قوة وصلت إليها على المستوى الإقليمي والدولي، وباتت تشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل الاحتلال في المنطقة في ظل التطور الكبير في قدراتها على المواجهة العسكرية وتكبيد الاحتلال خسائر كبيرة، لذلك هو يحاول جاهدا السعي لنزع سلاحها، فكان هذا من الأسباب الرئيسية غير المعلنة في حربه على غزة.
فإطالة المعركة من قبل المقاومة الفلسطينية سيضرب قطاع السياحة لدى الاحتلال، علما أنه مر خلال العام الماضي حوالي 14 مليون مسافر عبر مطار بن غوريون ، وتعطل هذا المطار يعني إحداث دمار كامل في السياحة الإسرائيلية.
فبالقياس لما حدث في ذروة إطلاق الصواريخ على مطار بن غوريون عندما قامت 32 شركة طيران عالمية بتعليق رحلاتها إلى تل أبيب، بدواعي الظروف الأمنية، فإن الاحتلال ولأول مرة منذ عام 1967م أصبح منطقة غير آمنة في ظل حربه على قطاع غزة.