معاً لاجتِثاث عبارات السَّب والشَّتم والتهديد وردع مَن يتلفظ بها!
من المؤسف حقاً أن يبقى بين ظهرانينا دونَ رَدعٍ مَن لا تنفك تدور على لسانه عبارات السَّبِّ والشَّتم! فترى الشخص، ودون الأخذ بأسباب العقل الذي جمَّدَه في رأسه، قد احتدَّ وثار ثائِرُه لأسباب واهية، فيبدأ بتفريغ ما كان اختزنه في صدره مِن عبارات السَّبِّ والشتم التي يحْمَرُّ لها وجه السامِع. ولن أدخـُلَ في تفاصيل تلك العبارات الدُونيَّة أو أدْرِجَ عيناتٍ منها، فأغلبُها يأبى القلم أن يجري بها، ثمَّ إنها على مَقرَبة من مسامِع الناس في أماكن متعددة لانتشار هُواة تَبادُلِها مِن زُمَرٍ سَنَّت ألسِنتها لهذا الغرض وتخصصت بالخروج عن قواعد الأدب والثوابت الأخلاقية.
ومِن العجيب أنّ تنتقِل عدوى إطلاق عبارات السَّبِ والشتم وتحقير الغير إلى أفواه وأقلام بعض مَن يُصنِّفون أنفسهم في عِداد المتعلمين والمثقَّفين، بينما العلم والثقافة منهم براء، فتراهم يُتقِنون ألفاظها ومصطلحاتها بدرجة تفوق تلك المألوفة على ألْسِنَة عامة الناس.
أما ظاهرة التهديد والإسترهاب بعنترياتٍ ومَراجِلَ في زمنٍ ما عاد الناس فيه يتقبلُون أو يستسيغون استعراض العضلات، فإن ما يُذهِل استمرار هذه الظاهرة السلبية وانتشارها بين بعض الفئات الشبابيَّة المُغترَّة وغيرها من فئات تتواجد في الأسواق وأماكن أخرى ، فتراها تستعذب التلفظ بكلماتٍ لتخويف أقرانها ومَن تُلاقيه بوجهِها لأيّ سببٍ كان ، فتُهَدِّد وتتوعد بالإيذاء من خلال اصطلاحات تتبدى فيها العُقَد النفسية بجلاءٍ. وكثيراً ما تحَوَّل تبادل الألفاظ إلى تضاربٍ بالأيدي وبما توفر من أدواتِ إيذاءٍ ووقوع إصابات وغير ذلك من حوادث مُفجعة. ولا يَضيرُ هُنا سَردُ بعض اصطلاحات التَّوعد والتهديد مع التحفُّظ على كثير مِمَّا يندى له الجبين: "خلع الرقبة، وكسر العِظام، وجعل الطرف الثاني يرى نجوم الظهر، وتخريب البيت، وحرق الأنفاس، والشُرب من الدم، والقبر باليد، وجعل عزرائيل كذا..، والفَضْح، وتلقين درسٍ لا يُنسى" ومنهم مَن يتناول الوالِدَيْنِ سواء كانوا على قيد الحياة أمْ مُغيَّبيِنَ في الثرى !
وأمام سَرْدِ هذه العينات فإني أتساءل: هل يجوز أن تبقى تلك السلوكيات شائعة دون رادعٍ حقيقي أو آلية تثقيف ناجعة تذهبُ بها إلى غير رَجعةٍ؟ وهل ستثوب تلك الفئات التي تُطلق السُّبات والشتائم والتهديد إلى نفسها وترتد عن غيِّها؟ وأين دور الأهل الذين يتركون صِغارهم في الأحياء والأزِقَّة لوقتٍ متأخرٍ من الليل ليسرحوا ويمرحوا وهل مُرادهم أن يكتسبوا المصطلحات البذيئة والمهارات الكلامية غير المحمودة حتى إذا اشتد عُودُهم طبَّقوها ؟ وأين دور المدارس ومنابِر مؤسسات المجتمع المدني وغيرها لاجتثاث هذه الظاهرة السلبية المُتفشِّيَة من خلال التوجيه والتوعية والتنبيه؟ وهل ثمة من حلولٍ لدى المختصين في حَقْلَي علم النفس والاجتماع؟