صدور كتاب "تقنيات الإعراب في النّحو العربيّ"
![صدور كتاب "تقنيات الإعراب في النّحو العربيّ" صدور كتاب "تقنيات الإعراب في النّحو العربيّ"](https://s3-eu-west-1.amazonaws.com/static.jbcgroup.com/amd/pictures/2a7232a026a6423cf61532613225efc2.jpg)
المدينة نيوز - صدر حديثا عن دار عالم الكتب الحديث في إربد كتاب (تقنيات الإعراب في النحو العربيّ) للأستاذ الدكتور حسن خميس الملخ .
وقد انبثق هذا الكتاب العلميّ عن مُثلث معرفيّ، فيه ثلاثُ مقولات علميّةٍ متخصّصة في النحو العربيّ، واللسانيّات النظريّة، وأساليب تدريس العربيّة؛ تشكِّل منطلقات مؤسِّسة لأفكار هذا الكتاب، تتضامّ فيما بينها لتأكيد ضرورة دراسة تقنيات الإعراب في النحو العربيّ في ضوء علاقتها بالتصوّر اللسانيّ العام لهذه التقنيات الرياضيّة البرهانيّة، وأهميّتها في العمليّة التعليميّة للغة العربيّة؛ ذلك أنَّ الإعرابَ بمفهوم البرهنة العلميّة يقومُ على توازن تامٍّ في معادلة الإعراب بينَ الموقع الإعرابيّ وحكمه النحويّ وعلامته الإعرابيّة المناسبة، فيتبوأ ذروة سنام النحو في أعلى الهرم النحويّ مُعلناً سؤاله الدائم: ما إعرابُ كذا؟ بصِيَغٍ مختلفة، مثل: أعربْ كذا، ولماذا يُعربُ كذا فاعلاً مثلاً؟ وكيف تعربُ الجملة الآتية؟ وما شابه من الأسئلة التي تسعى أوّل ما تسعى إلى المطالبة العلميّة المنطقيّة بإثبات انطباق القاعدة النحويّة على الكلمة أو التركيب أو الجملة انطباقا تامّاً، فهو برهان رياضيّ على صحّة انطباق الكلام المعرَب على القاعدة النحويّة، يُذكِّرُ بما اشتُهِرَ في علم الرياضيّات من حرص الرياضيّين على إثبات صحّة قوانينهم قبل تطبيقها؛ ليكونَ الآخذُ بتلك القوانين منطلقاً من مفهوم اليقين بصوابيّتها؛ ولهذا حرص نحاةُ العربيّة ومعلِّموها والمنشغلون بها على التمكّن من الإعراب حتى شاعَ خطأً أنَّ النحو العربيّ إعرابٌ، وإعرابٌ، وإعرابٌ، ليسَ أقلَّ، وليس أكثر.
والحقيقة أنَّ الإعرابَ بوصفه قمة الهرم النحويّ لا يجوزُ الركون إليه إلا بعدَ التمكّن من قوانين العربيّة؛ فهو ليس بأداة تعليمٍ قدْرَ ما هو أداة برهنةٍ؛ لهذا كانت المقولة الأولى التي صدر عنها هذا الكتاب توضيحاً لتقنيات الإعراب الصحيح بعيداً عن الوهم أو سوء الفهم في ضوء المواضعات الصافية لهذه التقنيات في أعمال نحاة العربيّة من غير إغماض العين لشدة الانبهار بأعمال الأجداد، أو إغلاق العقل لتقزيم الذات أمام عَمْلقة الأجداد الأفذاذ. وكانت المقولة الثانية في ضرورة الإفادة من بعضِ منجزات اللسانيّات الحديثة من غير انجذاب نحوها حدَّ الانسلاخ عن التراث، أو مقاطعة لها حدَّ عدم الاعتراف بها. أمّا المقولة الثالثة فكانت في تأكيد أنَّ النحوَ العربيّ ما وُضِع إلا ليُعلَّم؛ ولهذا صار من الضروريّ الإفادة من معطيات أساليب تدريس اللغة العربيّة وأبعادها التربويّة في تعليم النحو العربيّ للطلبة على اختلاف مستوياتهم، الأمر الذي يتطلب الوعيَ الحقيقيّ بفلسفة الإعراب وموقعه في عمليّة تعليم العربيّة.
وعلى هَدي هذه المنطلقات التأسيسيّة الثلاثة جاءت فصول الكتابِ الثمانية بسطاً لتقنيات الإعراب بالسداد، وإعراب الحروف العاملة وغير العاملة، وكيفيّة إعراب النصّ الصحيح الفصيح بلا تكلّف أو تعسّف بأمثلة من إعراب بعضِ مواضع القرآن الكريم والحديث النبويّ الصحيح، ثمّ بيان موقع الإعراب من النحو الوظيفيّ الدلاليّ، ثمّ الانتقال إلى توضيح آليات التعامل مع الشاذّ في النحو العربيّ وصولا إلى تقديم دراسة ختامية عن تقنيات تعليم العربيّة بين النحو والدلالة.
فأوضح الفصْلُ الأوّل تقنية الإعراب بالسداد عندما يسدُّ موقعٌ إعرابيٌّ عن موقعِ إعرابيّ آخر، مُبيّنا الممارسة التاريخيّة لهذه التقنية، وما داخَلَها من ظِلالٍ لا تنسجم الانسجام التامّ مع التصوّر النظريّ الصحيح للإعراب بالسداد، ثم انفتح الفصلُ على الاستعمالات اللغويّة الحديثة التي يمكنُ قبولها نحويّا ضمن آفاق نظريّة السداد الإعرابيّ مع تبيين القيمة الجمالية للتعبير بالسداد شرطَ القصديّة اعترافا بالمبدِع الطبيعيّ الفصيح متكلِّما وكاتبا ومستمعا.
وبيَّن الفصل الثاني كيفية إعراب الحروف العاملة وغير العاملة بعيدًا عن الوقوع في فخِّ العلل اللفظيّة والمعنويّة للحروف؛ ذلك أنَّ إعراب الحروف على الوجه الصحيح لا يجاوز تحديد التأثير الإعرابي إن وجد، ثم المعنى إن كانت الضرورة الدلاليّة تدعو إلى إثباته، فيكتفى في إعرابّ (إنَّ) بأنْ يُقال: "حرف نصب وتوكيد" بلا نصّ على التشبيه بالفعل؛ ذلك أنَّ التشبيه علّة ضعيفة في تفسير العمل، ولا علاقة لها بالإعراب؛ لهذا كان تأكيدُ بعض المنشغلين بتعليم النحو والمشتغلين به على إقحام التشبيه بالفعل - في باب إن وأخواتها على سبيل المثال - وجهاً من وجوه تعقيد النحو وتنفير الطلبة منه.
وأكَّد الفصل الثالث احترام النحاة للقرآن الكريم عند إعرابه بشرح فكرة مقاييس القبول النحويّ، ثم تخيّر بعض المواضع الملبسة وإعرابها على وجهٍ يؤكّد احترام النصّ القرآنيّ وقراءاته، ويتوازن بين مقتضيات النحو ومتطلبات المعنى. ثم تمّم هذا الحديث بدراسة مقاربة في الفصل الرابع لإعراب الحديث النبويّ الصحيح باتخاذ كتاب مصابيح الجامع الصحيح للدمامينيّ أنموذجا تطبيقيّا، وبيَّن أنَّ من سوء الفهم الظنّ بأنَّ الحديث النبويّ ليس حجّة مهمّة في المعنى المعجميّ ودلالاته، أمَّ اتّخاذه مُنطلقاً للتقعيد النحويّ فقضية أخرى بيّنها الفصل في التفريق بين الشاهد الدلاليّ والشاهد النحويّ.
ومع النصف الثاني من الكتاب تبدأ الفصول التعليميّة، ففي الفصل الخامس شرح لطرائق تعليم الجملة العربيّة الإسناديّة ومُكمِّلاتها تعليماً وظيفيّا يسبق بالضرورة التحليل الإعرابيّ، وفي الفصل السادس تصنيف جديد لفكرة الشاذّ في العربيّة؛ إذ قسَّم الشاذّ سبعة أقسام، هي الشذوذ النظريّ في القياس، وشذوذ الاقتضاء والتلازم في الاقتران، وشذوذ الترتيب في سردِ القواعد والأبواب، وشذوذ المصطلح بإقصاء التجربة التاريخيّة في التعليم، وشذوذ الاختيار بعدم مطابقة النصّ أو الجملة للقاعدة النحويّة للقاعدة أو للإعراب أو للواقع التعليميّ عند إهمال غرابة النصّ في ألفاظه ومعانيه، عدا توضيح شذوذ الاحتمال عند إمكانية تعدّد الوجوه الإعرابيّة، ثم الشذوذ العُمريّ بعدم اتّساق المادة النحويّة مع عُمر المتلقّي ومستواه الإدراكيّ، وفي هذا الفصل دراسة تحليليّة تطبيقيّة لأشكال الشذوذ في بعضِ كتب النحو والصرف المدرسيّة للمرحلة الثانويّة في الأردن.
وجاء الفصل السابع تكملة لفكرة الشذوذ في الإعراب عندما بيّن ضرورة احتواء الشاذّ القديم بعدم القياس عليه إلا إن حصل اختلاف في التوزيع الكمّيّ، وصار الشاذّ كثيرا في الاستعمال، فالأصل في الشاذّ الإقصاءُ تعليميّا وتربويّا، والاحتواءُ بحثيّاً ودراسيّا.
ولعلَّ الفصلَ الثامن أهمُّ الفصول؛ لأنه شرح تفصيليّ لتقنيات تعليم النحو العربيّ؛ إذ أوضح بأمثلة دالّة من أبواب النحو المختلفة كيفيّةَ النجاح الحقيقيّ في تعليم النحو العربيّ بوصفه مدخلا للتمكّن اللغويّ السليم من التداول بالعربيّة مُحادثةً واستماعا وكتابة وقراءة، وبوصفه فنّاً يتطلبُ دراية علميّة عميقةً بكيفيّة الانتقال من القواعد النحويّة العامة إلى القواعد التفصيليّة الخاصّة، فدعا إلى ضرورة تحديث الخطاب النحويّ التعليميّ، ثمَّ أوضح أهمية تعليم القاعدة العامة للباب النحويّ؛ لأنَّها الأساس والمدخل، وبغير معرفتها معرفةً دقيقة لا يتأتّى إتقانُ ما بعدَها من قواعدَ تفصيليّةٍ، يخطئ كثيرون بالحديث عنها قبل ترسيخ مفهوم القاعدة العامة للباب النحويّ، وهذه القواعد التفصيليّة هي: التحوّل في الصيغ كتحوّل خبر المبتدأ من اسم مفرد إلى جملة، والتأويل في الأحكام الإعرابيّة، وتقنية الاستبدال التي هي من أبرز تقنيات التحليل الإعرابيّ في إعراب الجمل وأشباهها، وتقنية التقديم والتأخير، ومسوّغات الحذف والتقدير، ومكانة تقنيات التعريف والتنكير والاشتقاق والجمود في تعليم بعض الأبواب النحوية: كالمبتدأ والخبر الحال والتمييز والنعت، ثم تطرّق الفصل إلى الحديث عن الوظائف التعبيرية للأبواب النحويّة كوظيفة الزمن والعلّة والهيئة، ثم شرح الاختيارات التعبيريّة للمتكلّم في حرصٍ على ضرورة احترام حريّة المبدِع في اختيار الوجه التعبيريّ المناسب ما دام صحيحاً من جهة القواعد النحويّة، بلا تكلّف فروق جوهريّة بين أشكال القاعدة التعبيريّة الواحدة كأشكال الحال مثلاً؛ وصولاً للحديث عن البرهنة الإعرابية وفلسفة الإعراب في التعليم.
إنَّ هذا الكتاب استصفاء علميّ لتقنيات الإعراب في العربيّة، يسعى إلى وضع الإعراب في مكانه الصحيح من المنظومة النحويّة العربيّة في البحث العلميّ والتدريس التربويّ من غير اتّخاذه منطلقا لتعليم النحو العربيّ، ومن غير الإصرار على ربط الإعراب بما لم يثبت بدليل قاطع من العلل الجدليّة التي لا تفيد في إقامة اللسان عند الحديث وعصمة اليد عند الكتابة، ومن غير الإعلاء من شأن الشواذّ في الإعراب والاستعمال؛ فالإعراب جزء يسير صغير جميلٌ ممتعٌ من النحو العربيّ، لا يصحّ تضخيمه، كما لا يصحّ استمرار تخويف الطلبة منه؛ لأنه تقنيات سهلة سلسة شرْطَ أن تُعلَّم بشكلٍ صحيح مناسب؛ ذلك أنَّ الإعراب مهارة ذهنيّة مجرّدة، أمّا النحو بأحكامه: كالتقديم والتأخير والتعريف والتنكير والحذف والمطابقة والإضمار والربط والوصل والفصل والقصر والإطناب وما شابه؛ فهو العربيّة التي على اللسان وفي الكتب العربيّة قديمها وحديثها؛ فإذا كان الإعراب قمة الهرم النحويّ؛ فهل تتسع هذه القمّة لنا جميعا، وهل من الضروريّ أن نصعد إليها، وقبل كلِّ شيءٍ، كيف نصعد إلى هذه القمة؟