"الدولة" بالرقة.. تفاصيل مؤلمة ومآس دامية

تم نشره الجمعة 19 أيلول / سبتمبر 2014 07:11 مساءً
"الدولة" بالرقة.. تفاصيل مؤلمة ومآس دامية

المدينة نيوز :- على بعد دقائق من البوابة التي تقسم مدينة تل أبيض إلى قسمين سوري وتركي، حيث يطلق عليها اسم "أقجة قلعة" من الجهة التركية، عشرات العائلات تجلس في حلقات تستظل أشجار الرصيف التي توحي فقط أنها تحمي من حرارة الشمس.

مجموعات صغيرة، غالبيتهم أطفال ونساء، لا يحملون حقائب، ما عدا الأكياس الصغيرة التي يبدو أن فيها ثياب أطفال، ينتظرون أن تفتح أمامهم "أبواب" مخيم تل أبيض، الذي يؤوي حوالي 30 ألف نازح منذ 26 شهراً.

المشهد مألوف منذ بداية الحرب في سوريا، لكن الجديد أن هؤلاء جاؤوا منذ أيام من مدينة الرقة هرباً من الموت الآتي على متن طائرات أميركية أو أوروبية أو الله أعلم..

يقول الشاب الثلاثيني، الذي دخل إلى تركيا عن طريق التهريب، إن غالبية هؤلاء جاؤوا مع مهربين، فالحدود رسمياً مغلقة في اتجاه تركيا ومفتوحة 3 أيام الأسبوع رسمياً أمام من يرغب العودة إلى الرقة.. إلى أحضان "الدولة الإسلامية" أو "الدولة" أو "داعش" أو سمها ما شئت.

في الرقة، ينتظر مقاتلو الدولة ضربة أعلن عنها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأعلن عن أهدافها الطويلة الأمد وكاد أن يحدد بنك الأهداف الذي ستضربه طائرات، بطيار ومن دون طيار، لكنه لم يفعل ذلك بعد.

في الأثناء، قام التنظيم بعملية مزدوجة، على المستوى التنظيمي: أولاً إعادة هيكلة للشؤون المالية والعسكرية لإحصاء السلاح والمال في كل من الرقة والموصل تضمنت الضرائب وما يعتبره "أموال زكاة"، وعائدات البترول الواقعة تحت سيطرته وأموال الفدية؛ وثانياً، سلسلة من الإجراءات الأمنية بدأت بنقل مواقع تخزين السلاح وتوزيع أكبر عدد ممكن من العناصر في بيوت داخل المدينة.

يقول أحمد من الرقة: "يملك أخي شقة ومتجراً وقد هرب مع عائلته إلى تركيا وهو يعود أسبوعياً، لكن عناصر من ’قضاة الحسبة‘ جاؤوا وصادروا المنزل وأسكنوا فيه عدداً من المقاتلين يخرجون صباحاً ويغلقون الباب خلفهم بسرعة كي لا نعرف عددهم ربما، وقد فعلوا الشيء ذاته في جميع أو غالبية المنازل المهجورة أو غير المأهولة في المدينة".

أما مضادات الطائرات والسلاح الثقيل من دبابات ومدفعية فيتم تغيير مواقعها بشكل يومي وحتى أكثر من مرة في اليوم، وتشمل الإجراءات أيضاً نقل سجناء في خلال ساعات الليل، وتغيير مواقع النقاط الإعلامية التي توزع فيها إصدارات الدولة وأناشيد وقرآن وإن كان عدد العناصر في تلك النقاط لا يتعدى 4 أشخاص عادة.

يجزم أحمد أن لا صحة لما قيل عن هروب عناصر الدولة، وإنما "ذابوا" في المدينة فقط، وقللوا من خروجهم بشكل علني، خصوصاً القيادات و"الأمراء" لكنهم هنا ما زالوا في كل مكان.

حاضنة شعبية؟

لاقى تنظيم الدولة مبايعة شيوخ العشائر في الرقة في أكتوبر الماضي، لكن الشيوخ كانوا بايعوا الرئيس السوري قبل سنوات، تحديداً في أغسطس 2010، أثناء صلاة العيد واتهموا بالتملق وجاءت البيعة الجديدة وسط تململ شعبي.

عمل الشيوخ ضمن مبدأ "العين لا تقاوم المخرز"، خصوصاً أن انسحاب الجيش الحر وأحرار الشام من المدينة بشكل مفاجئ انعكس سلباً على المسلحين من العشائر الذين اضطروا إلى تسليم أسلحتهم وطلب الأمان من التنظيم الجديد حينها.

كان سكوت أهل الرقة على تشدد التنظيم في تطبيقه الشريعة على طريقته، وما يزال، تسليماً بالتفوق العسكري الجديد الذي ترافق مع مشاهد تعليق رؤوس مقطوعة لجنود عند "دوّار النعيم"، الذي تغير اسمه إلى "دوّار الموت" أو "دوّار الجحيم" وكانت هذه المشاهد كافية لفرض الطاعة والتزام أهالي الرقة بما يأمر به الوالي "أبو لقمان".

"كنا عايشين".. قالت أم ابراهيم، "بالقهر صحيح وبالظلم تحت حكم النظام، ولكن اليوم نموت ألف ميتة كل يوم وأولادنا تهجروا ونحن نزحنا وتركنا أرزاقنا وبيوتنا".

وتضيف: "وهذه ’البنية‘ (10 سنوات) لا تزال طفلة يفرضون عليها النقاب، وأصبحنا نخاف على بناتنا من أمير يريد الزواج منهن مثلاً ولا يمكن رفض طلبه، هربنا مع بناتنا وبقي 3 من أولادي في البيت لحمايته لكنهم سيهربون قريباً عبر الحدود من كلس أو حتى من هنا من تل أبيض".

أم ابراهيم موظفة تم فصلها من عملها بسبب تقرير كتبه بحقها "فاعل خير"، كما تقول، اتهمها بدعم الثورة فخسرت حقوقها ووظيفتها بعد 30 سنة من العمل، واليوم خسرت منزلها وتشتت عائلتها وكادت أن تخسر بناتها الثلاث لأن "الأمير" أراد الزواج بهن.

"مخنوقين ودمنا يغلي منهم".. هذا باختصار ما قالته أم ابراهيم.

من الرقة إلى الموصل

عمار يعمل اليوم في محل لبيع العطور في أورفة بتركيا منذ أقل من شهر، قرر ترك منزله في الرقة لكنه أراد أن يغادر قبل ذلك منذ أشهر بعد أن انسحب الجيش الحر وتراجع أمام تنظيم الدولة في الرقة.

كان عمار يقاتل تحت مظلة "لواء إسلامي متشدد"، فضل عدم تسميته غير أنه لم يترك الرقة، لم يفعل "كي لا يكسر خاطر" والدته التي أوصته أن يأتيها بخبر عن أخيه الذي أوقف قبل 9 أشهر.

منذ توقيف شقيقه، لم يترك عمار "أميراً" ولا "شرعياً"، كما يسمى "قضاة" تنظيم الدولة، ولا شيخ عشيرة ولا مقاتل يمنياً أو شيشانياً أو تونسياً إلا وسأله عن مصير أخيه؛ لا جواب.. 9 أشهر وهو يذهب يومياً إلى مبنى المحافظة وسجن إدارة المركبات ومقر الحسبة وسجن منطقة الرقة الشرقية من دون نتيجة. الأيام الوحيدة التي لم يسأل فيها عن شقيقه كانت خوفاً من تهديدات تلقاها باحتمال توقيفه في حال واصل إصراره اليومي.

التقى عمار في سوق الرقة مقاتلاً في صفوف التنظيم ضمن دورية الحسبة نصحه الذهاب إلى الموصل للسؤال عن شقيقه والطريق من الرقة إلى الموصل 400 كيلومتر ضمن أراضي "الدولة الإسلامية" وتحت سيطرة مسلحيها.. فلم يتردد.

استقل سيارة أجرة ومن حاجز إلى آخر وصل مبنى المحافظة في الموصل وطلب مقابلة "الشرعي" توسله وسأله وسحب صورة له ولأخيه من جيبه ومدها إليه وبكى للمرة الأولى منذ 9 أشهر، وكان رد "الشرعي"، الملثم بسؤال عمار عن فروض الإسلام وعدد الركعات ومعلوماته عن القرآن فأجاب عمار بما يعرف عن دينه وبما يكفي لإقناع "الشرعي" الذي أجابه: أخاك مرتد صدر الحكم بإعدامه وتم تنفيذ الحكم.

بكى عمار، ثم تجالد، وطلب رؤية الجثة رافقه شاب عراقي دله إلى المكان.. طلب عمار معولاً.. أي شيء لنبش القبر. أعطي قطعة خشبية نبش فيها التراب رأى الجثة تأكد أنها لأخيه من علامة في ظهره.. الجثة بالكاد منتفخة حملها ولفها بما تيسر من أغطية وعاد بها إلى والدته في الرقة.

لم تنته قصته هنا، في الرقة منعته "جماعة الحسبة" كما أسماهم، من دفن أخيه في جبانة الحي بما أنه "مرتد"، فحمله مجدداً وذهب إلى بيت عمه المهجور حفر قبراً ودفن الجثة ومعها دفن طريق العودة إلى بيت والده في الرقة.

يقف أهالي الرقة أمام خيارين إما البقاء وتحمل قصف الطائرات السورية وربما قريباً الأميركية والتعايش الصعب مع ضيوفهم الذين احتلوا بيوتهم ومدينتهم، وإما النزوح إلى تركيا وتحمل أعباء تبدأ بالتشرد والنوم في العراء ولا تنتهي بتفاقم العنصرية ضدهم، وبالتالي جميع الخيارات أحلاها مر.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات