فتاة لبنانية.. جمعت 30 مليون دولار بعد تشردها بين 11 ميتما
المدينة نيوز:- أذاقتها الحرب الأهلية اللبنانية الأمرين، أمضت طفولتها في المياتم متنقلة بين الواحد والآخر ليصل عددهم 11 ميتما، لكنها لم تجد الحنان أو العطف الذي يحتاجه أي طفل عادي، بل كانت تضرب وتهان، وفرضت عليها قوانين صارمة، لم تعرف اللبنانية "أنّا أوروميان"، شكل الشوارع أو البشر خارج الميتم، فلم تغادره إلا في حالات نادرة كالانتقال لميتم آخر أو بعض المناسبات، ولم تهنأ بنوم عميق إذ توجب عليها الاستيقاظ في تمام الساعة الخامسة فجرا إما على صوت المربية أو صوت قذيفة قرب الميتم.
واحدة من أنجح اللبنانيات في الولايات المتحدة الأمريكية
الحاجة أم الاختراع، وقد تكون الحياة المرة هي التي جعلت من "أنّا" امرأة ناجحة اليوم، وعلى الرغم من الإحباط الذي كانت تعيشه من البشر من حولها إلا أنها أصرت وقالت لهم" سأهاجر لبنان يوما ما وسأعود للشرق الأوسط لأمنع كل طفل وشاب وشابة من عيش المعاناة التي عشتها"، وذهبت بنفسها رغم صغر سنها الذي لم يتجاوز الـ15 عاما للسفارة الأمريكية وحصلت على تأشيرة السفر للولايات المتحدة الأمريكية، ثم غادرت الوطن بمفردها وحملت معها 160 دولار فقط.لقد سامحت كل من أخطأ بحقي
أثناء الحوار مع "أنّا" التي لا تعلم سنها بسبب خلل في بعض الأوراق، ذرفت دمعتها وقالت:" أقسم بالله لقد سامحت كل من أخطأ بحقي، وأولهم أبي"، لم نعلم أي شيء عن والديها فقالت:" كان أبي مدمنا للكحول ولم أشعر بحنانه يوما لكنني سامحته بعد وفاته، ولم أشعر بحنان أمي إلا عن بعد، فقد دخلت مصحا عقليا منذ طفولتي، وأنا متأكدة أن مرضها كان بفعلة فاعل، لكنني أسامحه هو الآخر دون أن أعرف هويته".
لـ"أنّا" أخت واحدة تصغرها بسنة، عاشتا معا في نفس المياتم وأحبتها أكثر من أي شيء آخر، وعند حصولها على التأشيرة كان وداع أختها ليس بالأمر الهين إلا أنها اضطرت، واتفقت معها على أن تبقى هي في لبنان لرعاية والدتهما وتسافر هي للولايات المتحدة لأنها وبسبب ذكائها وتميزها ستتمكن من تحدي الحياة هناك والنجاح لتحسين حياة من تبقى من عائلتها.
تميز منذ الصغر
كان ذكاؤها واضح منذ الصغر لكنها حرمت من القراءة وكانت تتوسل مربيات الميتم بين الحين والآخر ليسمحوا لها باستعارة كتاب من الكتب، وأضافت:" أرادوا حرماني من تكملة دراستي وأصروا على أن أتوقف عن التعليم في الصف الثاني"، وكانوا يشعروها بأنها مجرد ابنة ميتم ولن تفيدها القراءة أو الثقافة أبدا، لكنها تمكنت من تعلم اللغة الأرمنية بنفسها من الكتب دون مساعدة أي أحد، والسبب وراء ذلك نيتها دخول فصلا معينا كان حكرا على متحدثي هذه اللغة، وثابرت إلى أن تمكنت من تكملة علامها، بل وتخرجت في سن يصغر باقي الخريجات بـ 6 سنوات.رفضت هذه المرأة التحدث عن كل التفاصيل لأسباب شخصية ولمعت عيناها حينما بدأت التحدث عن الحاضر وقالت:" خلينا نترك الماضي شوي ونحكي عن (أنّا) اليوم".
بعد إكمالها لدراساتها العليا في الفنون الجميلة والاقتصاد اختيرت هي و3 طلاب آخرين من بين 10,500 خريج لتحصل على أعلى تكريم في جامعة "كاليفورنيا – لوس أنجيلوس" "UCLA"، والتقت في ما بعد بالرئيسين الأمريكيين السابقين، بيل كلينتون ورونالد ريغن، لتفوقها ونجاحها، وتدير "أنّا" اليوم وترأس واحدة من أهم الجمعيات الخيرية الأمريكية المعنية بإدارة الأعمال وبرامج القيادة "Academy of Business Leadership"، وفاقت قيمة التبرعات التي جمعتها من خلال هذه الجمعية إلى الآن 30 مليون دولار، وتمكنت من تعليم 115 ألف طفلا مجانا.
لم تتجاهل الصحافة هذه الامرأة وكتبت عنها العديد من الصحف والمجلات وظهرت على تلفزيونات محلية وعالمية وكانت جزء من كتاب اسمه "لحظات غيرت حياة أهم 108 امرأة"، وكتبت أجمل المقالات عنها في مجلة "Forbes"، وكرمت بوسام "جورج واشنتون" في العام 2006، إلى جانب تكريمات أخرى.
أوجدت "أنّا" فكرة أغلى دراجة هوائية في العالم "كوزميك ستار كروزر"، بمساعدة الفنان التشكيلي العالمي، جاك آرمسترونج، الذي باع سابقا أغلى دراجة نارية في العالم وصلت قيمتها 3 مليون دولار. ويبدأ سعر دراجتهما الهوائية التي عمل الفنان على طلائها من 3 مليون دولار، وهي معروضة اليوم للبيع في دبي، ولن تأخذ "أنّا" أي دولار من هذا المبلغ بل سيعود 50% من ريعه لجمعيتها التي ستفتتح فرعا لها في دبي لمكافحة البطالة عند الشباب في الشرق الأوسط، ويذهب النصف الآخر من ثمن الدراجة لـ"آرمسترونج".
في نهاية الحوار قالت "أنّا" أنها لا تهتم للشهرة أبدا وكل ما يهمها هو إيصال رسالتها للناس:" الشهرة لا تعني لي شيء، لقد حققت جزء كبيرا من أحلامي، وأسعى اليوم لتحقيق أحلام الآخرين، ومساعدة الأطفال على عيش حياة كريمة تساعدهم على تحقيق أكبر أحلامهم في المستقبل"، وعن اختيارها لدبي بالتحديد قالت:" دبي مدينة سباقة في مجالات عدة وينطبق عليها المثل الذي يقول لا مستحيل تحت الشمس، وأعتقد أنها ستكون حاضنة لمشروعي الخيري، وهي في الشرق الأوسط، الذي أؤمن بأن شبابه بحاجة لنوع معين من الثقافة يحارب بطالتهم ولتوفير فرص جديدة تمنعهم من الانجراف خلف تيارات وانحرافات تدمر هذا المجتمع الذي أنتمي إليه".
" الفجر"