سؤال المليون

تم نشره الأربعاء 22nd تشرين الأوّل / أكتوبر 2014 02:02 صباحاً
سؤال المليون
جهاد المنسي

منذ سنوات والحكومات المتعاقبة، تطالب المواطن بشد الحزام، وفي "معمعان" طلبات الشد المتكررة، تمرر بين ثنايا الخطاب الحكومي، وعود، لا حسيب على من يطلقها، بفرج قريب.
شخصيا، بدأت أسمع طلبات شد الحزام قبل أن تظهر أي شعرة بيضاء في مفرقي، وما أزال حتى اليوم، بعد أن اشتعل الرأس شيبا، استمع للطلب ذاته.
وحتى أكون منصفا، ولا أتجنى على حكوماتنا المتعاقبة، فقد كانت أحيانا "تغدق" علينا، بين كل طلب بشد حزام، بوعود رخاء مقبلة، ويؤسفني اليوم، أنني كنت قبل سنوات أثق ببعضها، فوضعت في حساباتي إمكانية تحقيق تلك الوعود ولو بعد سنين.
وباعتبار أنني وغيري من جمهور المواطنين، شددنا الحزام كثيرا، كلما كان يُطلب منا ذلك، فقد قمنا بخرم آذاننا، كلما كانت حكوماتنا المتعاقبة تعدنا بـ"الحلق".
مرت سنوات، طوتها سنوات، كبرنا، شبنا، أصبحا آباء، وبات للبعض منا أحفاد، وما يزال الحزام مشدودا على البطن، وما تزال الأذن مخرومة بانتظار "حلق" الحكومة، الذي لم يأت حتى اللحظة، والحال التي خبرناها قبل عشرات السنين هي الحال ذاتها اليوم.
الطريف، أن المنظرين للرخاء الموعود، هم أنفسهم لا يتغيرون، والكلمات هي ذاتها، لا اختلاف فيها، وكأنها أسطوانة مكرورة، والغريب أن أولئك ما يزالون يريدون منا شد الحزام أكثر، وصبرا أكبر، وصدرا أوسع، والمشكلة أنهم ما يزالون يعدون بالرخاء.
أنا وأبناء جيلي والأجيال التي سبقتنا، بتنا نعرف يقينا أن "الحلق" الحكومي لن يأتي إطلاقا، ونعرف أن طلبات شد الحزام الآنية، لسنا نحن المعنيين بها، وإنما هي وعود مصروفة للأجيال التي تلتنا، وهكذا دواليك، طلبات شد حزام ووعود بالرخاء لجيل بعد جيل.
الهدف من كل ذلك هو تسكين وجع، والواقع عنوانه فقر متزايد، بطالة مرتفعة، خدمات صحية وتعليمية متدنية، بنية تحتية متدهورة، شوارع تئن، شبكات مياه مهترئة، زراعة تكاد تنعدم، عنف مجتمعي متزايد، نسب مخدرات في ارتفاع، جريمة أوسع، حدائق عامة بلا مقاعد أو أشجار، محافظات شاكية، قرى باكية، جامعات مفلسة، جيوب فارغة، مسارح خاوية، كهرباء مديونة، ومنخفض ثلجي يغلق علينا بيوتنا لأيام.
حسنا، لا بأس فواجبنا أن نتحمل، فالمواطنة تتطلب منا ذلك، والواجب يحتم علينا أن نصبر ونقاوم، حتى لو قالت لنا دائرة الإحصاءات العامة أن خط الفقر المطلق (الغذاء وغير الغذاء) بلغ 813.7 دينار للفرد سنوياً، وأن خط الفقر المدقع (الغذاء) 336 ديناراً للفرد سنوياً.
وحتى نعرف وتعرف حكوماتنا، التي تعرف يقينا، فإن الفقر المطلق هو عندما يعجز الإنسان عن توفير احتياجاته الأساسية اللازمة لحياته وحياة أسرته، فإنه يعتبر فقيرا فقرا مطلقا. ويندرج تحت هذه الأساسيات: الطعام والشراب، والمسكن، والملبس، والعلاج الأساسي، بالإضافة إلى التعليم، وإنّ عجز الإنسان عن توفير هذه الاحتياجات، قد يخل بالاستقرار الاجتماعي، ويدفع من لا يتمكن من توفيرها للجريمة أو السرقة.
رغم ذلك، لا بأس، ولكن من حقنا نحن الذين أضعنا عمرنا، ونحن نشد الحزام على بطوننا، أن نعرف سبب ارتفاع الدين العام عندنا، إلى 20.3 مليار دينار، فالحزام ما يزال مشدودا، والأذن ما تزال بدون حلق، فأين ذهبت كل تلك المليارات التي أصبحنا مدينين بها للخارج والداخل، وكيف صرفت؟
فمحافظاتنا ما تزال على حالها، والجامعات مديونة، والمدارس بعضها مستأجر، والصرف الصحي يخذلنا عند كل موسم شتاء، والكهرباء تعاني من إفلاس، والجيوب ترن من الخواء، والبطالة في ارتفاع، وزراعتنا وصناعتنا وتجارتنا تعاني، ومستشفياتنا مكتظة.
أيها السادة، نحيطكم علما أن جمهورا واسعا من أولئك الناس، الذين شدوا الحزام، باتوا يضيقون ذرعا به، لأنه ببساطة يخنقهم أو يكاد، وسؤال المليون، الذي يتردد على ألسنتهم: أين ذهبت كل تلك المليارات وكيف صرفت؟! فهل من جواب؟!

(الغد 2014-10-22)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات