جريمة طبربور والهشاشة أمام المخاطر

تم نشره الأربعاء 29 تشرين الأوّل / أكتوبر 2014 01:06 صباحاً
جريمة طبربور والهشاشة أمام المخاطر
إبراهيم غرايبة

ما حدث في طبربور، قبل أيام؛ عندما أقدمت سيدة على قتل أطفالها الثلاثة، ثم محاولتها قتل نفسها، هو تعبير متطرف عن حالة شائعة، قابلة للحدوث والتكرار في أي وقت وفي أي مكان. وهذا أمر صعب ومرعب. والأكثر صعوبة ورعبا، أنها تكون مفاجئة وغير متوقعة؛ بمعنى أن المنفذين لمثل هذا النوع من الجرائم ليسوا مجرمين تاريخيا، وليست لهم أسبقيات جرمية. فمعظم حالات القتل ينفذها أشخاص لا يملكون سجلا جرميا، ولا تلاحقهم الأجهزة الأمنية، ولا أحد يشعر بخطورتهم؛ هم أصلا أناس أسوياء عاديون، مثلنا جميعا أو معظمنا، يقدمون على اقتراف جريمتهم في لحظة غضب أو انهيار أو تغير، مفاجئة أو غامضة، أو لم نكن ندرك مقدماتها.
القصة بوضوح واختصار هي أن ثمة عائلة لم تكن تملك دخلا كافيا. وفي ظل خلافات عائلية وشكاوى من تحرش الوالد بابنته ذات الخمسة عشر عاما، سُجن الأب، وانتقلت الأسرة إلى شقة قريبة من سكن أخ الزوجة وبرعايته. ولكن الأزمة النفسية كانت أكبر من محاولة العلاج والتدخل، فقتلت الأم أطفالها الثلاثة، وحاولت قتل نفسها! إنها حالة نموذجية لمخرج مسرحي أو سينمائي أو ناشط اجتماعي وثقافي (وربما أحد المسؤولين أيضا) ليقدم الحالة الاجتماعية والاقتصادية في بلدنا، ويحاول أن يُسمعها لمن يستمع!
هي قصة البلد؛ المجتمع والاقتصاد، عندما تضعف مناعته أو يتعرض للهشاشة. تماما مثل الشخص الذي تضعف مناعته الصحية أو تنهار، إذ سوف تقتله أي جرثومة؛ الرشح أو الإنفلونزا على سبيل المثال. وفي حالة كون كل شخص يعيش في جسمه تريليونات المايكروبات، ولا يمكن تخيل عددها وحجمها في الفضاء، وليس من حلّ بالطبع سوى بناء المناعة والحصانة من الأمراض، فلا يمكن معالجة كل حالة مرضية في ظل انهيار المناعة، ولا يمكن أيضا القضاء على الجراثيم.
ببساطة، ليس من سبيل سوى بناء المناعة للمجتمع والأفراد والاقتصاد، ومواجهة الهشاشة بشكل عام. وهذا يشمل الإرهاب والتطرف، والسلوك غير الاجتماعي، والتدين المغشوش الذي يكون غطاء لأزمة نفسية أو اجتماعية. ففي ملاحظة الأحداث المتعلقة بالعنف، يمكن ملاحظة كيف يختلط الإرهاب والتطرف بالمخدرات والجريمة. أحيانا تكون الجريمة "مخدراتية" وتبدو إرهابا؛ وأحيانا تكون إرهابية بالفعل، ولكن تجد خلفية المنفذين إجرامية و"مخدراتية".
وفي النظر إلى المجتمع والاقتصاد والتنمية، يجب النظر دائما إلى المناعة التي تحمي الأفراد والمجتمعات والاقتصاد في مواجهة الحالات الصعبة والكوارث والمخاطر القائمة دوماً، والتي لا يمكن منعها أو ردها، ولكن يمكن بناء القدرة على مواجهتها.

(الغد 2014-10-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات