المعلمون والأجندة الحكومية
لا أحد يستطيع أن يقلل من أهمية انشغال الحكومة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية، فهي مضغة السياسيين ورجال الإعلام والصحافة والإقتصاد على حد سواء.
لكن هناك قطاع مهم وضروري وحيوي، لا يقل أهمية عن القطاعات الأخرى التي تحظى بالسطوع والوهج الإعلامي، بينما هذا القطاع يعاني من الإهمال والنسيان، والبيات الشتوي الذي يزيد من رطوبة المكان وتآكل الملفات وتسرب التلف رويداً رويداً إلى حد الضياع.
إنهم «المعلمون والتربويون»، الذين سلمناهم أغلى ما نملك، وأغلى ما يملك الوطن، هذا الجيل من فلذات الأكباد، الذين سيرسمون معالم مستقبل البلاد والعباد.
إن العملية التعليمية برمتها (معلمين، ومناهج، وفلسفة وإدارة) تستحق عناية حثيثة وجهداً استثنائياً، واهتماماً فائقاً، يتجاوز الشعارات والحلول المؤقتة وحبات التسكين، فالموضوع أكثر خطورة مما يتبادر إلى الأذهان، وما عليه الانطباع العام.
هذا الجيش من المعلمين، عبارة عن جيب من الفقر المدقع، الذين أصبحوا غير قادرين على تأمين ضرورات الحياة، وبلوغ الحد الأدنى من كرامة العيش، لقد قفزت تكاليف المعيشة أضعافاً مضاعفة، وبقى دخل المعلم يعاني من جمود يشي بالبؤس والمأساة الحقيقية التي تنعكس على شخصية المعلم وهيبته بين التلاميذ، وقدرته على بناء القدوة الصالحة للأجيال، فضلاً عن قدرته على العطاء، ومدى حيويته وحماسه في التعليم، وبناء خيالات الأطفال وأحلامهم وطموحاتهم، والرفق في إعدادهم وتشكيل عقولهم وصقل نفوسهم وبناء وجدانهم وحفظ إحساسهم.
إنّ الآباء الذين لا يستطيعون إرسال أبنائهم إلى المدارس الخاصة، هم وحدهم الذين يدركون حجم المأساة في المدارس الحكومية وإداراتها ومعلميها، وانتظام الدراسة وحجم المعطى من المقررات الدراسية.
يا جماعة الخير، ثقوا تماماً أنّ الوضع لا يبشر بخير، فالتلاميذ في الصفوف العليا؛ الثامن والتاسع والعاشر، لا يأخذون أكثر من ثلاث حصص يومياً، ولا يقطعون 30% من المقرر الدراسي، وربما يكون التلميذ في المرتبة الأولى في الصف ولكنه يعاني من أميّة فظيعة ومستوى متدنٍ جداً في اللغة الإنجليزية والعربية على حدٍ سواء، أما عن غياب المعلمين المتكرر إلى حد التسيب فهي سمة بارزة في أغلب المدارس الحكومية.
فإذا علمنا أن كل أصحاب القرار والمقتدرين لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس الحكومية، فكيف لهم أن يدركوا حجم المأساة أولاً، وثانيا: لو كانوا على ثقة بعطاء المدارس الحكومية لما استنكفوا عن إرسال أبنائهم إليها.
نحن بحاجة إلى الخطوة الأولى الجريئة التي تقضي بتحسين أوضاع المعلمين المعيشية، بحيث يتم زيادة راتب المدرس بقفزة كبيرة لا تقل عن 100%، ولو بقرض كبقية القروض، ثم يتم مصاحبة هذه الخطوة برفع مستوى المعلم المهني والأكاديمي عن طريق تنمية المهارات بالتدريب والدورات وغير ذلك، وتصفية الجهاز من أصحاب المستوى المتدني، وهذا يحتاج إلى ثورة تعليمية بيضاء تقودها الحكومة بنفسها.
إنّ الخطوة الأولى تبدأ في إصلاح أوضاع المدرسين من أجل عملية إصلاح جادة في العملية التعليمية برمتها، فهي القاعدة الأساسية في صياغة نهضة أردنية شاملة، وإصلاح وطني شامل، وبغير ذلك فكل الشعارات، وكل الخطط وكل البيانات والخطابات سوف تبقى ضرباً في حديد بارد وصرخة في واد، ونفخة في رماد، وضياعاً للوقت، وتراكماً للفشل ومزيداً من ضياع الفرص ومزيداً من الحصاد الأمر.
rohileghrb@yahoo.com