الخطة المفقودة (بناء الثقة)
أعتقد أن الخطط الحكومية تنجح حين تخلق الثقة بين الشعب والحكومة. فقط من خلال الثقة تنال الدعم الجماهيري اللازم للنجاح. وهناك عبارة تتعلق بالسياسيين تقول "ليس المهم محتوى الافكار, المهم الطريقة التي تنفذ بها هذه الافكار".
يعتقد البعض ان مهمة الحكومة تكون اسهل اذا تم ضخ اكبر قدر من فصاحة اللغة على الصفحات مع تعهدات بانجازات في ذمة المستقبل. لكن الناس يكترثون فقط بما يتبادلون من مشاعر واحكام حول طريقة عمل الحكومة ووزرائها ويأخذونها مادة للمقارنة بين تعهداتها ووعودها وبين ما هو قائم وواقع في حياتهم اليومية.
لو عدنا الى تجربة السنوات القليلة الماضية لوجدنا ان جميع الحكومات واجهت مشكلة "فقدان الصبر" من قبل الناس. والحكومات تحاكم من قبل الرأي العام بعد اسبوع من تشكيلها, وكلما مرّ اسبوع وشهر آخر يرتفع "بارومتر" فقدان الصبر الشعبي ويصبح الحديث عن عجز الحكومات حكاية البلد, تقصيرها واخطاءها وخطاياها ولا تقتصر عادة فقدان الصبر على الرأي العام بل انها اصبحت حالة نفسية وفكرية بين النخب السياسية المختلفة بما في ذلك الموجودة في السلطات جميعاً.
وعلى طريقة الموازنة العامة, التي ما ان تُقّر في البرلمان حتى يبدأ اصدار الملاحق لها بعد فترة قصيرة من اقرارها. فان ما تستقر عليه الامور بعد "100" يوم من عمر الحكومة, ان تنشط المبادرات والخطط الملحقة او المناقضة للخطط السابقة والتي تظهر فجأة تحت هدف خفي هو ضخ الحياة في العمل الحكومي الذي يتعثر او يصاب بالحيرة والمرواحة - وما ان ينتهي العام الاول من عمر الحكومة حتى تصبح هي ذاتها بحاجة الى "مغّذ" يبعث فيها النشاط ويمدها بقوة الاندفاع.
الرهان على نجاح اي خطط حكومية يكمن في قدرتها على توسيع دائرة اللقاء مع الناس, مع حياة المواطن ومشاكله, فاذا كانت الخطط لا تُعرض على الرأي العام على الأقل بخطوطها العريضة, ولا يتم ضخ المعلومات الكاملة حولها وعدم افساح المجال لدفع المواطنين للمشاركة في الجدل حولها مع رفض تقبل الرأي الآخر والموقف المعارض. فان هذه الخطط تحكم على نفسها بادارة الظهر من قبل الناس وتكرس حالة استمرار عدم الثقة عند الرأي العام تجاه الافكار والخطوات والمبادرات وغير ذلك من مفكرة الحكومات.
اكثر ما يلفت النظر خلال السنوات الاخيرة ان هناك نخباً همّها الدائم مصالحها ومنفعتها الشخصية اكثر بكثير مما تدّعي انها تكرّسه لمصالح المجتمع. وهذا ليس ادعاء, اليوم كثير من هؤلاء من يشير الناس الى ثرواتهم, وقدرتهم على رفع ارصدتهم من عدة مئات, الى الملايين. فيما افكارهم وخططهم للمواطنين لا تصرف في اي بنك.
الخطة المفقودة التي تستحق ان تضاف الى خطط الوزارات المختلفة هي استعادة ثقة المواطن والرأي العام بالحكومات والدولة. والمدخل الى ذلك هو الصدق, بأن لا يوعد الناس بما لا تستطيع الحكومة تحقيقه, او هي غير قادرة عليه, وان لا يجري الاهتمام "ببلاغة نصوص الخطط" بدل البحث عن وسيلة كي يرى ويلمس المواطن بعيونه واحاسيسه وعقله الاداء المتبع لتنفيذ افكار الحكومة وتعهداتها وبأن خططها سليمة ومقنعة وملموسة , لا يشوبها تناقض, عندئذ سيندفع المواطن الى الاندماج بخطط الحكومة ومشاركتها افكارها وطموحاتها.