ندوة بروكسل الدولية
كان ذلك في 14 أغسطس 2002 حينما كشفت المعارضة الإيرانية، المجلس الوطني للمقاومة الايرانية (مجاهدي خلق)، عن وجود موقعين نوويين سريين: موقع تخصيب اليورانيوم في نطنز ومفاعل الماء الثقيل في آراك.
منذ ذلك الوقت، كان المجتمع الدولي يسعي بصورة مستمرة للحصول على جواب لسؤال حول طبيعة وهدف البرنامج النووي الإيراني: هل انه قد صمم لبرنامج عسكري بهدف الحصول على القنبلة؟
انتشار الأسلحة النووية هو احتمال مروع، وتفاقم الخوف من هذا الوضع بحق في حالة إيران، بسبب سلوك طهران باعتبارها الراعية الرئيسية للإرهاب والمصدر الأيديولوجي للإسلام المتطرف في أكثر المناطق غير المستقرة في العالم. على مر السنين، كشفت و بشكل مستمر معلومات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني السري من خلال مصادر مختلفة، ولا سيما المجلس الوطني للمقاومة، الذي يجمع المعلومات من خلال شبكة واسعة وفعالة له داخل إيران. في ضوء هذه المعلومات، أصبح من الواضح تماما أن البرنامج كان أكثر اتساعا مما كان يعتقد بشأنه في البداية.
مع مرور الوقت أصبح أكثر وضوحا أن العديد من الوكالات والمنظمات الحكومية الإيرانية قد شاركت في المشروع النووي. فقد أصبح واضحا أيضا أن عملهم كان أكثر تقدما ومتعدد الأوجه من ذلك الذي کان العالم يعتقده و يتصوره في حينه.
لقد كان موقف طهران طوال هذه الفترة مزيجا من الإنكار والخداع والإخفاء، ورفض الحقائق وتسييسها، واعترافا مترددا وجزئيًا فقط عندما کانت تستنفذ كل البدائل الأخرى.
على الرغم من أن هذه المسألة بقت مطروحة على الطاولة لأكثر من عقد من الزمان، فلم تكن هناك معالجة حاسمة وسياسة صارمة ومتماسكة من قبل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الواقع قد سمح لإيران الاقتراب من الانتهاء من برنامجها النووي وأن تكون أوثق وأقرب إلى القدرة على تطوير أسلحة نووية.
وتصر القيادة الإيرانية على استمرار بالمشروع النووي السري رغم كل الضرر الذي ألحق ذلك بالمجتمع الإيراني وعلى الرغم من أنه تحدي للقرارات الخمسة لمجلس الأمن الدولي والتي ادت إلى عزلة إيران الدولية. هذا يشير إلى أن طهران ترى أن البرنامج النووي له قيمة استراتيجية أكثر بكثير من أي شيء آخر ، في الواقع، أن هذا البرنامج يعتبر بالتأكيد حاسما لبقاء النظام.
بعد اثني عشر عاما، ظل العالم يحاول إيجاد حل لهذه الأزمة وضمن إطار مجموعة 5+1 يمارس الضغوط من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، فلذلك وجدت اللجنة الدولية للبحث عن العدالة (ISJ) ضرورة مراجعة جميع القضايا المتعلقة بطبيعة البرنامج النووي الإيراني منذ فترة طويلة. الاضطرابات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط منذ صيف عام 2013 قد دفعت لزيادة الحاجة لهذه الدراسة.
نتائج الدراسة تشير إلى أن طهران قد شرعت في الخداع الاستراتيجي الكبير. سيكون خطأ كبيرا أن يكون اتفاق شامل دون مطالبة ايران لحل جميع الجوانب العسكرية للبرنامج والافصاح عن جميعها بصورة كاملة ووافية.
ومؤخرا، في 9 نوفمبر 2014، الرئيس أوباما كرر مرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تريد أن تجعل من المؤكد عدم حصول إيران على أسلحة نووية فحسب، بل أنها ترغب أيضا في ان يكون ذلك غير "قابل للتحقيق”، والتأكد بصورة مشددة بأنها لا يمكن أن تطور" هذا المشروع.
ولكن السؤال هو كيف بالامکان أن يكون هناك ضمانات، طالما لا تزال الكثير من الأسئلة المفتوحة حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني، مشاريعها، واللاعبين الرئيسيين فيها، مطروحة. الإجابة البسيطة هي أنه لا يمكن ذلك.
الهدف الضروري هو منع إيران من الحصول على القنبلة النووية، لكن ذلك عمليا بعيد جدا عن السياسة التي ينتهجها السيد أوباما. ان السياسة التي كانت تتبعها إدارة أوباما في السنوات الست الماضية، لم تمنع الملالي من الاقتراب للحصول على القنبلة. من ناحية أخرى، كانت العقوبات التي فرضت منذ عام 2011، بناء على مبادرة من الكونجرس الأمريكي كانت لها الدور الاساسي والفعال نسبيا. فمن المعروف أن هذه العقوبات لعبت دورا أساسيا في إقناع إيران بالتوقيع على اتفاق جنيف المؤقت.
ولكن بسبب اتباعه سياسة المسايرة وتقديم تنازلات على طاولة المفاوضات، شجعت الولايات المتحدة خامنئي على الابتعاد عن الهدف الغائي وزيادة مطالب طهران.
فيما يخص الغرب، يمكن أن يكون الملف النووي والأزمة الإقليمية قضيتين منفصلتين تماما ولكن بالنسبة لطهران هما وجهان لعملة واحدة. على هذا النحو، قدم السيد أوباما موافقته مجانا ان تمررطهران خططها للتدخل والعدوان في المنطقة عندما قال:
"إيران لها نفوذ في كل من سوريا والعراق، ... لديهم بعض القوات أو الميليشيات التي يسيطرون علي بغداد وحولها، نحن نعرف ذلك،وعليها الا تعبث معنا، ونحن لسنا هنا لإثارة الموقف ضدكم، و نركز على عدونا المشترك ". (مقابلة مع CBS في 09 نوفمبر 2014)
قد تشعر إدارة أوباما أن هذا الموقف يمكن أن يمهد الطريق لتسوية مع آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للنظام، بشأن القضية النووية. ولكن ان الفهم البدائي لطبيعة النظام الإيراني وطريقة سلوكه يرشدنا إلى الاستنتاج بان التساهل بشأن التدخل المتزايد في المنطقة من شأنه أن يشجع على مواصلة إلحاح النظام على المشروع النووي.
وبالتالي، فإن أي اتفاق محتمل مع إيران يجب ان تتضمن التنفيذ الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي، وقف مطلق لجميع عمليات تخصيب اليورانيوم وقبول البروتوكول الإضافي، وعمليات التفتيش المفاجئة في جميع المواقع المشبوهة.
ان أي تنازلات بشأن هذه القضايا، أي اتفاق أقل طموح من ذلك، يفتح الطريق للنظام للحصول على أسلحة نووية. وهذا هو الشيء الذي لا يوجد بلد ديمقراطي في هذا العالم يمکن أن يقبل به، إلا إذا كان يريد الانتحار.