الزائد والناقص في منظومة القيم

تم نشره الأربعاء 26 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 02:01 صباحاً
الزائد والناقص في منظومة القيم
د.عاصم منصور

في ثقافتنا العامة الكثير من الآثار والنصوص؛ منها المقدس ومنها المقدر، التي تحض على التوسط، وعلى أن "حب التناهي غلط وخير الأمور الوسط"، كما نقول في مثلنا السائر أن "الزايد أخو الناقص". مع ذلك، فهناك من لاحظ أن شعوب منطقتنا لا تكاد تميز إلا أقصى الحدود والنهايات، فلا تميز جيدا الطيف الواسع بين كل نهايتين.
نلج من هذه المقدمة لنقول إننا أمام مشكلة حقيقية؛ إذ لا نستطيع أن نميز جيدا الطيف الواسع بين "الإيثار" و"الغصب"، وبين "التبذير" و"الشح". فالقيم المشتركة، ومعايير السلوك وأخلاقيات العمل، لا يمكن أن تقوم لها قائمة عند أي من الطرفين.
يرى المفكر المغربي محمد الكتاني، في كتابه القيم "منظومة القيم المرجعية في الإسلام"، أن تحقيق التوازن بين جاذبية القوى النفسية من أشق الأمور. ذلك أن جاذبية الجسد تغالب جاذبية الروح، وجاذبية الأنانية تغالب جاذبية الغيرية، وجاذبية الشعور بالحق تشوش على الشعور بالواجب داخل ضمير الإنسان. والتوازن المنشود هو ما يحققه لسان الميزان الذي يستقيم بين الكفتين. وهذا ما لا يقدر عليه إلا الذين وطنوا أنفسهم، بالوعي الخلقي والإرادة الصلبة، على الوقوف في وجه غلواء كل منهما، بتفعيل الكوابح النفسية التي تمنع من الانفلات والتطرف إلى إحدى الجهتين.
فالمرجع القيمي للمؤسسات، كما للمجتمعات، هو جزء من هويتها وشهادة ميلادها. وحاجتها لإطار قيمي لتحقيق رسالتها ورؤيتها، أصبح علما نظرياً وممارسة عملية، ولا تجد خلافا عليه إلا حين تغيب المؤسسية والتخطيط بعيد المدى كليا.
وكما أن إهدار أو إغفال القيم مدمر للمؤسسة، فإن وضع معايير قيمية غير واقعية وغير قابلة للتطبيق بل وزائفة، وخلط الأوراق من خلال ذلك، يؤدي إلى ذات النتيجة. فالنهايات لا يطيقها الناس؛ إلا النزر اليسير منهم. فإذا تساوى كل ما هو دون المثال، فنحن أمام مشكلة حقيقية في منظومة القيم.
المثالية في الأخلاق، والارتقاء مدارج السالكين، وتطهير النفس، هي من معاني الإحسان العظيمة في التربية والسلوك والتصوف. لكنها لم تكن يوما معايير صالحة للعموم، ومن ذلك بالتأكيد بيئة العمل المؤسسي في المجتمع. إن غياب هذا التمييز، سواء كان عن تواطؤ أو إهمال، هو ضرب من الطوباوية، والتي تقود إلى الانسلاخ أو النفاق، وبالتالي تبدد المنظومة. ورغم أن بيان اختلاف قدرات الناس وأحوالهم، ومقام كل مقال، وموطن كل معيار، مبسوط في علوم وتقديرات السابقين واللاحقين، إلا أننا لا نكاد نلمسه هنا على الأقل.
كثيرا ما يهرب الإنسان من إلحاح ضميره عليه -عند الإساءة أو الوقوع في الخطأ المهني أو المؤسسي أو التجاري- إلى التفتيش عن فتوى تريح القلب الذي يفتي بغير ذلك؛ وربما قصد المستفتون علماء فقه العبادات أو الحديث الشريف أو غيره من العلوم الفاضلة، للحصول على مبتغاهم، وربما تعجل هؤلاء قبل استقراء الواقع المؤسسي، ومعرفة العرف المتبع، والممارسات الراسخة، وربما أخطأوا الهدف.
وبالرغم من أن قضيتنا اليوم تنطلق من إطار أوسع يصعب حسم الكثير من جوانبه، فإنه ما يزال بوسع الدارسين والممارسين في مجالات الشريعة والأخلاق وعلوم الإدارة والاجتماع، أن يسهموا في تطوير وإنضاج منظومة قيمية واقعية، يمكن أن يلتقي الناس على جلها إن لم يكن كلها، تحقق المصالح الفردية والمؤسسية قدر المستطاع.

الغد 2014-11-26



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات