أيها العرب من أنتم بغير الإسلام حتى تقصوه أو تحاربوه؟!

تم نشره الأربعاء 26 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 02:18 صباحاً
أيها العرب من أنتم بغير الإسلام حتى تقصوه أو تحاربوه؟!
د. علي العتوم

ألم تكونوا قبله جياعاً ضياعاً، أولم تكونوا شرَبَةَ خمرٍ وحقَبة عهر، وقَطَعَة رحمٍ واكَلَة رِمَمٍ، أولم تكونوا مشركين ضُلاّلاً ومُستعبَدين أذيالاً، أولم تكونوا غدرة فجرة تُسيئون الجوار وتوالون الكفّار، متفرقين متشرذمين، ومتناحرين متدابرين، أولم تكونوا هملاً بلا راع ورَسَبة في الاجتماع، أولم تكونوا عبدة أصنام وأوثان وفي المجتمع الدولي في عداد النسيان، أولم يستعبدكم الروم تارة والفرس أخرى، أولم تكن عمليات السلب والنهب واللصوصية والصعلمة بينكم أعمالاً مشتركة؟!
ألم تغدوا بالإسلام أمة متحررة ودولة معتبرة، حملة نور وعرفان وأُلي دين هو خير الأديان، ألم تضحوا به هداة مهديّين وقادة فاتحين، أولم ترتقوا به ذُرا القمم وتصيروا سادة الأمم، أولم تنساحوا به في العالمين تنشروا معالم الحق والعدل من بلاد الغال إلى بلاد الصين، أولم يفض المال عندكم حتى لم تجدوا من يأخذه، إذ أشبع حكامكم الناس لعدلهم وعفتهم عن مد اليد إليه مالَ عامة ورعية، أولم ترثوا كنوز كسرى وقيصر بعد أن كنتم تأكلون الضب وبنات أوبر؟!
بلى، لقد رفعكم الإسلام إلى منزلة لم تكونوا تحلمون بها يوماً، فقد جعلكم خير البرايا، وحّدكم بعد فُرقة وجمعكم من شتات، وأكرمكم برسول هو سيد الرسل، وبكتاب هو أهدى الكتب، وبدين هو وحده المقبول عنده. وجرى قدره أن تكونوا غداً في ساح قضائه –وإن كنتم الأخيرين– الأولين وأكثرَ الأمم ولوجاً لجنانه وكسباً لرضوانه، بل أنتم بمنِّه الشاهدون على الآخرين الذين لا يُسمع لغيرهم قبلهم قول؟! إنه فضل الله العظيم رب الأرباب، وفضل الإسلام الحنيف أصدق الملل والأديان، مما لا يُماري فيه إلا كل مطموس الفطرة أو منكوس النظرة.
فأين أنتم اليوم من الإسلام أيها العُربان، بعد كل ذلك الفضل والإحسان الذي أنعم الله به عليكم وتمنّن؟! إن الناظر في واقعكم دون أي تدقيق أو إمعان، يرى أنكم حاربتم الإسلام وهجرتم القرآن، وبارزتم الله بالمعصية والعدوان، وواليتم أعداء الله من الكفار والمشركين الذين لا يُقيمون للدين وزناً ولا للخُلق الكريم قدراً ولا للعدالة الحقة شأناً، فأصبحتم تلامذة لهم في الخنا والفجور، وأذناباً لهم في السياسة والاجتماع ومطايا طيِّعة في تحقيق الأغراض الفاسدة، والأهداف الخبيثة والغايات الشِّرِّيرة.
ولِقاء كل ذلك عُدتم بعد عزة أذلاء، وبعد قوة ضعفاء، وبعد وحدة أشلاءً وأشياعاً، وبعد قيادة وريادة تَبَعاً ورَعاعا، وبعد علم جهلة وبعد رشد ضلَلَة، ليس لكم في المحيط العالمي شأن في سياسة، أو سبق في علم، أو قدوة في خُلق، أو تبريز في فكر واقتصاد، أو إبداع في صناعة واختراع. والعجب العُجاب، أنكم مع كل هذا الانحدار في الوسط الدولي وذاك الانحطاط لا تعترفون بأحوالكم البئيسة، بل تزعمون بأنكم في الذُّرا والأعالي، بينما أنتم في حقيقة الأمر في القاع والحضيض!
والأنكى من كل هذا، هذه التبجحات عندكم والادعاءات بأنكم مسلمون تمام التمام وأن إسلامكم هو الإسلام الصحيح، لأنه معتدل وغير متطرف، إذ الاعتدال في قاموسكم -كما هو واضح وبلا أدنى تمحيص- إقصاءُ الإسلام عن سدة الحكم جملة وتفصيلاً، وحصره في ركعات تؤدى في مسجد مُحاصَر، وتمتمات شفاه بذكر عقيم، وطقطقات تلَهٍّ بحبات مسابح مُبتدعة، ومظاهر شكلية في أحفال رسمية، وكلمات ميتة في دساتير محنطة. أما إسلام الحكم والتطبيق فهو في (كودكم) إسلام متطرف وأهله إرهابيون، ليس لهم إلا الصد والرد، والاتهام والتشويه، والسجن والاعتقال، إن لم يكن من بعدُ الشنق والاغتيال.
من قال لكم أيها السادة المدّعون إن الإسلام هو ما ادعيتم، وأنه الإسلام الذي لا يحكم، لأن إنزاله إلى أرض الواقع إهانة له؟! فماذا كان إذنْ –حسب منطقكم المتهافت- يعمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده في حياتهم؟! أكانوا يضعون القرآن والسنة المطهرة على الرف، ويُنحُّونهما جانباً، وهم يعرضون لأمور الحياة، فيحكمون بأهوائهم أو بقوانين أهل الصلبان والأوثان، في الوقت الذي يقول فيه ربهم لرسوله: (فلا ورَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حتى يُحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم)، إن ما تدعونه أيها القوم إنما هو ادعاء الجاهليين في كل زمان ومكان، وهو ولا شك فِرية جاءتنا من الغرب الفاجر والشرق الكافر، فِرية فصل الدين عن الدولة.
الإسلام أيها القوم، أيها العرب، أيها الحكام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً. وهو بمفهومه الصحيح سياسة الدنيا بأحكامه وشرائعه، لا بغيره من اجتهادات البشر القاصرة أو آرائهم المحدودة، وهو بالبداهة صالح لكل زمان ومكان ولكل المخلوقات، وإلاّ كان الله –حاشاه– قاصراً في أحكامه، إذ كانت لفترة دون أخرى أو لقوم دون قوم، وكان بالتالي لا معنى لكون الدين عند الله الإسلام، كما لا معنى لكونه للخلق كافة عربهم وعجمهم أسودهم وأحمرهم إنسهم وجنّهم، وكان لا معنى كذلك لكون الرسول صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده ولا معنى لكون كتابه ناسخاً للكتب.
أيها العرب، أيها القادة من أنتم اليوم وقد تركتم الإسلام حكماً وتشريعاً؟! ما واقعكم ما مصيركم ؟! ماذا تساوون في المجتمع العالمي بعيداً عن ادعاءاتكم وتنفجاتكم أنتم اليوم طوائف متنابذة فيما بينها، تابعة في كل شؤونها لغيرها من أمم الكفر والضلال، عالة عليها في المعرفة والمأكل والملبس. لقد غدوتم تابعين لروسيا وأمريكا كما كان أجدادكم الجاهليون تابعين للفرس والروم يسومونهم الخسف والهوان، كما يسومكم متبوعوكم اليوم العنت والطغيان وأنتم معهم كما كان أجدادكم مع أولئكم أضيع من الأيتام على مآدب اللئام. ولقد زدتم على أجدادكم القدامى أنكم أصبحتم عِصيّاً غِلاظاً بأيدي أعداء الله على رعاياكم من المسلمين الحقيقيين والدعاة الأطهار والمؤمنين الأخيار، تتهمونهم بالإرهاب وهم منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، إلاّ أن يكون إرهاباً للأمريكان واليهود ومن لف لفهم. وهو ما نقول له: أهلاً ومرحباً.
لقد رجعتم بغير الإسلام بلا وزن ولا قيمة كالريشة في مهب الزعازع تتقاذفها الأعاصير في كل اتجاه، أو كالشاة العائرة بين الغنمين لا إلى هؤلاء ولا لهؤلاء، وأنّ ما أنتم عليه من إسلام إنما هو إسلام مزيف، لأنه إسلام الكلام والإدعاء لا إسلام العمل والبناء، وإننا لنعانكم نحن الدعاة إلى الله بأننا ثابتون على مبادئنا القويمة، وماضون في خدمة شعوبنا وأوطاننا الخدمة الصادقة، لن يتوقف بعون الله مَدُّنا أو ترهبنا كل تهديداتكم أو إجراءاتكم التعسفية، لأننا نعلم أنكم وسادتكم تعلمون أننا صادقون وناصحون، ولكنه الكِبْر والبطر وغمط الناس حقوقهم.
وإننا لنرى أيها السادة أنه من الخير لكم أن تعلنونها صريحة أمام شعوبكم أنكم لمحاربتكم لدين الله بعدم الحكم به ومطاردة أتباعه تلاميذ نُجباء لسادتكم الأجانب وعملاء أوفياء لمتبوعيكم الأغارب. وفي البدء والختام نقول لكم ما قاله خالقنا العظيم : (كلٌّ يعمَلُ على شاكلَتِه، فربّكُم أعلَمُ بِمَنْ هو أهدى سبيلاً)، وبقوله : (اعمَلُوا على مكانَتِكُم إنّا عاملونَ، وانْتَظِرُوا إنّا مُنتظِرُونَ). ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

السبيل 2014-11-26



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات