سيرة حياة روبرت دي نيرو في كتاب جديد

المدينة نيوز - بمقدرة لافتة على أن يصبح من يريد، ويتحول إلى أيّ شخصية من الشخصيات التي لعبها، يضع روبرت دي نيرو كل من يحاول أن يكتب سيرة حياته أمام سؤال محير: من يكون روبرت دي نيرو بالضبط؟ في هذه السيرة الجديدة القائمة على بحث جيد، يحاول شاون ليفي أن يجيب هذا السؤال، ولكن روبرت دي نيرو لا يكاد يظهر بوضوح أمام العدسة، حتى يختفي من جديد، ويعد التعامل مع هذا اللغز مثيراً بقدر ما هو مرهق، لكن لعل هذا هو الثمن الذي ندفعه إن أردنا أن نفهم العبقرية، وفقاً لما كتبه الأستاذ في جامعة ميريلاند، سيبي أوسيليفان، لصحيفة "وا.

يستغل المؤلف السيناريوهات وأوراق الملاحظات التي كان يدونها دي نيرو ومجموعات الملابس والإكسسوارات الهائلة المحفوظة في أرشيفه ليكون للقارئ صورة عنه لا جدال في أن دي نيرو ممثل بارع، لعب أدواراً لا يمكن أن تمحى من الذاكرة، مثل تريفيس بيكل في "سائق التاكسي" وجاك لاموتا في "الثور الهائج" Raging Bull، وبرغم أن ليفي يقدم معلومات سيرية متماسكة حول بوهيمية أبويه، وعن أعماله الأولى على المسرح، ثم الأفلام التي عمل فيها لاحقاً، وعن المخرجين المحببين إليه، إلا أن تركيز الكتاب الأساسي ينصب على هوس الممثل نفسه، وطقوس استعداده لكل شخصية جديدة كان يلعبها.

ويستغل المؤلف السيناريوهات وأوراق الملاحظات التي كان يدونها دي نيرو، ومجموعات الملابس والإكسسوارات الهائلة المحفوظة في أرشيفه في جامعة تكساس بأوستن، أحسن الاستغلال، ليكوِّن من ذلك كله صورة للرجل الذي يبدو أنه لا يقيم ذاته إلا بالاعتماد على تلبسه ذوات الآخرين.

سمات جسدية
يستعد دي نيرو لأداء أية شخصية من خلال الاستقرار على السمات الجسدية أولاً، كقصة الشعر، والوقفة، والإيماءة، وامتلاك خزانة كاملة لثياب الشخصية، تصل إلى حد الملابس الداخلية.

ويطلب من أشخاص لا يعملون في التمثيل أن يقرأوا دوره ليتسنى له أن يعرف اللكنة المحلية للشخصية، أو عاداتها اللغوية المكتسبة من المهنة، لذلك يعرف دي نيرو الكثير من الضباط والمجرمين، وتعلم كيف يلاكم، ويغوص، ويركب الخيل، واضطر كثيراً إلى التحول بين النحول والبدانة.

والتقط صوراً فوتغرافية لندوب في أجساد محروقين فنفعته ـ بحسب ما يقول الكتاب ـ في "اتخاذ الندوب الواقعية للغاية التي بدت على ظهره في مشهد عابر ومقنع من فيلم المسوَّدة Backdraft".

وليس هذا بكثير على رجل كان يعرَف في مراهقته في حي إيطاليا الصغير بنيويورك بـ "بوبي الحليب" بسبب لون بشرته ونحوله.

مجرد تظاهر
برغم أن جميع هذه التفاصيل تلقي الضوء على أخلاقيات العمل لدى دي نيرو، وعلى مدى التزامه بكل دور يؤديه، إلا أن القارئ يشعر بعد قرابة 300 صفحة من هذه التفاصيل بأن جلده يقشعر، وأن دي نيرو الذي بين يديه هو الشخصيات التي يلعبها في أفلامه، وأن ما قاله لورنس أوليفييه عن التمثيل لم يعد غريباً: التمثيل مجرد تظاهر.

اشتهر عن دي نيرو العزوف عن الحديث عن نفسه، وميله إلى العنف في كثير من حواراته، ومن هنا فدي نيرو موضوع صعب بالنسبة لأي كاتب سير ذاتية.

ولقد سبق وقال غريغ وايدن ـ السيناريست الذي كتب المسوَّدة ـ أن معرفة دي نيرو "أشبه بالقبض على الدخان"، ولذلك فعلى القارئ في أغلب الأحيان أن يربط بين الإشارات، ويستخلص النتائج، ليبقى بعد ذلك كله كثير من الأسئلة بلا أجوبة، بل إن منها ما لا يطرح من الأساس، ومن ذلك مثلاً أن ليفي يقول إن "الشهرة الطاغية كانت سبيلاً ممتازاً لدي نيرو للتعرف على الفتيات"، ثم لا يقال لنا الكثير عن الفتيات أنفسهن، بل إن ليفي يعمد باستمرار إلى التهوين من شأن علاقات دي نيرو النسائية.

رومانسي بالفطرة
ويقال لنا إن "الوقوع في الحب" (1984) مع ميرل ستريب كان أول أفلامه الرومانسية، وإن ملاحظاته المكتوبة بخصوص هذا الفيلم "أقل من ملاحظاته عن أي فيلم شارك فيه بدور أساسي"، ثم لا يبيِّن ليفي لماذا كان الاستعداد لذلك الفيلم الرومانسي أقل إجهاداً للممثل الكبير من سواه، ويكون علينا نحن أن نتكهن عن كيفية استعداد دي نيرو للانتقال من فيلم لعب فيه شخصية ذكورية عنيفة إلى فيلم لعب فيه دور زوج عادي من الطبقة الوسطى.

ويبلغ ليفي أقوى حالاته في الصفحات المائة الأخيرة، حيث يظل دي نيرو يعمل بإيقاع متسارع، متنقلاً بين أفلام لا تنسى دون الكثير من الاستعداد "مستهدفاً الاتساع لا العمق، معتنياً في الوقت نفسه بتحويل "مركز تريبيكا السينمائي" إلى مشروع استثماري كبير، فيه المطاعم والمخابز والمقاهي والعديد من البنايات السكنية، رامياً إلى أن يخلق منه "مجتمعاً" كاملاً.

وأخيراً، وبعد ما يربو على 500 صفحة من التأويلات والتكهنات، يأتي ليفي بتلخيصه المفاجئ لدي نيرو، إذ يكتب قائلاً: "إن موهبته كانت تبدو ذات يوم أشبه بنبيذ العنب إذ يُصَبُّ قطرة تلو قطرة، بغاية العناية، في كأس من أفخر الكرستال، ثم إذا به يصبها بإسراف في أكواب ورقية كثيرة، وكأنها الأرخص والأكثر ابتذالاً بين شتى أنواع النبيذ، فلم يعد بوسعه حتى أن يشير إلى شباك التذاكر أو إلى مكاسبه الشخصية كمبرر لاختياراته، ولطالما كانت حاجته إلى العمل تتاخم حدوود المرض العضوي، لكنها بعدما كانت تتقاطر ذات يوم تقاطر الخيمياء السحرية، لم يعد يبقى منها الآن ما يبالي أحد بتجفيفه بمنديل"... ما هذا؟! لم أر تمهيداً لهذا، ويكون على القارئ في كتاب بهذه الضخامة أن يقرر إما أن يواصل القراءة بعد ملاحظة من هذا النوع، أو أن يعود أدراجه ليرى إن كان ثمة ما فاته.