مثقف في عيادة طبيب بيطري

تم نشره الأحد 14 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 09:27 مساءً
مثقف في عيادة طبيب بيطري
هادي جلو مرعي

يتخصصُ الطبيب البيطري بعلاج أمراض مختلفة، تصيب السخول، والكلاب، والنعاج، والدجاج، وكل أصناف الحيوانات الداجنة والماجنة على السواء، وقد جربت في فترات من حياتي زيارة طبيب بيطري وجرب غيري، فصديقي كانت لديه قطة مرضت وذهب بها الى عيادة بيطرية وبقيت تحت المراقبة حتى توفاها الله، وكانت لدي نعجة أكلت حتى شبعت، ثم فاض الشعير من شدقيها، وأصيبت بالتخمة وعالجها طبيب بيطري. وأتذكر إن ذلك كان في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت السماء ماطرة وكانت عطلة بمناسبة عيد الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني، وحينها حملت نظام صدام حسين مسؤولية موت نعجتي، لأنه عطل العمل حتى للمعالجين البيطريين.يتحولُ المثقف الى حيوان منعزل متوحش، لأنه منفصل عن بيئته الطبيعية البشرية حيث يعجز عن تقديم حلول للمشاكل السياسية والإجتماعية، ولا يتمكن من معالجة قضايا شائكة ينتظر منه الناس التدخل فيها لإنجاز شيء ما يخفف به من تبعات المعاناة في مجال العمل، والخدمات، والتنوير الفكري، ونقد مظاهر الفساد، والتجاوز على الصلاحيات، وإستغلال السلطة، كما يحصل عادة في بلدان التخلف العربي، من دون أن نستثني أية دولة، فكل دولنا تعيش فسادا قذرا، ولديها كميات هائلة ومتراكمة من وسخ النفوس والضمائر، بينما ينشط فيها سياسيون وتجار وسماسرة ومثقفون ليحصلوا على مكاسب مادية، وفي الغالب يعيش المثقف الناقد للسلطة والفساد حال الشعور بالخيبة، لأنه لا يمتلك قدرة التأثير، فهو يثرثر، ويكتب، وينظم القصائد، ويشتم، لكن ذلك غير مجد للغاية، وهو يتحول رويدا الى إنسان مصاب بداء التوحد، لأنه ينعزل بالفعل عن الطبقات الأكثر تضررا من الفساد والحكم الجائر.الطبيب البيطري يعالج الحيوانات المصابة بالمرض، وهو توصيف يقابل الحال التي عليها المثقف المنعزل والمعزول أيضا، فالمجتمع لا يرغب بسماع كلمات المثقفين، ولا يهتم بما يقدمونه من نتاج مشوه مستنسخ، أو مسروق عن الغرب والثقافة الأجنبية، وهو لا يعدو أن يكون محاكاة لثقافات شعوب أخرى تقدمت كثيرا وتطاولت في قيمها وإبداعها، وسادت الأرض ومن عليها، بينما يبقى المثقف عندنا متهالكا يرفضه المجتمع، لأنه لم يدرك منه غير الثرثرة والكلمات الجوفاء التي لم توقف فسادا، ولم تعالج قضية. ولا بد من النظر في إستراتيجية مغايرة يعتمدها المثقفون للتخلص من تبعات فشلهم وتوحدهم المرضي وإنعزالهم وتقوقعهم، وهو ما لا أظنهم يستطيعونه، فقد غلب الحكم الجائر والفوضى والفساد والتطرف على العقول والنفوس والضمائر، وإنتهى الدور التنويري للمثقف إلا في إطار إندماجه مع ثقافة المجموع الشوهاء.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات