مثقف في عيادة طبيب بيطري
يتخصصُ الطبيب البيطري بعلاج أمراض مختلفة، تصيب السخول، والكلاب، والنعاج، والدجاج، وكل أصناف الحيوانات الداجنة والماجنة على السواء، وقد جربت في فترات من حياتي زيارة طبيب بيطري وجرب غيري، فصديقي كانت لديه قطة مرضت وذهب بها الى عيادة بيطرية وبقيت تحت المراقبة حتى توفاها الله، وكانت لدي نعجة أكلت حتى شبعت، ثم فاض الشعير من شدقيها، وأصيبت بالتخمة وعالجها طبيب بيطري. وأتذكر إن ذلك كان في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت السماء ماطرة وكانت عطلة بمناسبة عيد الجيش العراقي في السادس من كانون الثاني، وحينها حملت نظام صدام حسين مسؤولية موت نعجتي، لأنه عطل العمل حتى للمعالجين البيطريين.يتحولُ المثقف الى حيوان منعزل متوحش، لأنه منفصل عن بيئته الطبيعية البشرية حيث يعجز عن تقديم حلول للمشاكل السياسية والإجتماعية، ولا يتمكن من معالجة قضايا شائكة ينتظر منه الناس التدخل فيها لإنجاز شيء ما يخفف به من تبعات المعاناة في مجال العمل، والخدمات، والتنوير الفكري، ونقد مظاهر الفساد، والتجاوز على الصلاحيات، وإستغلال السلطة، كما يحصل عادة في بلدان التخلف العربي، من دون أن نستثني أية دولة، فكل دولنا تعيش فسادا قذرا، ولديها كميات هائلة ومتراكمة من وسخ النفوس والضمائر، بينما ينشط فيها سياسيون وتجار وسماسرة ومثقفون ليحصلوا على مكاسب مادية، وفي الغالب يعيش المثقف الناقد للسلطة والفساد حال الشعور بالخيبة، لأنه لا يمتلك قدرة التأثير، فهو يثرثر، ويكتب، وينظم القصائد، ويشتم، لكن ذلك غير مجد للغاية، وهو يتحول رويدا الى إنسان مصاب بداء التوحد، لأنه ينعزل بالفعل عن الطبقات الأكثر تضررا من الفساد والحكم الجائر.الطبيب البيطري يعالج الحيوانات المصابة بالمرض، وهو توصيف يقابل الحال التي عليها المثقف المنعزل والمعزول أيضا، فالمجتمع لا يرغب بسماع كلمات المثقفين، ولا يهتم بما يقدمونه من نتاج مشوه مستنسخ، أو مسروق عن الغرب والثقافة الأجنبية، وهو لا يعدو أن يكون محاكاة لثقافات شعوب أخرى تقدمت كثيرا وتطاولت في قيمها وإبداعها، وسادت الأرض ومن عليها، بينما يبقى المثقف عندنا متهالكا يرفضه المجتمع، لأنه لم يدرك منه غير الثرثرة والكلمات الجوفاء التي لم توقف فسادا، ولم تعالج قضية. ولا بد من النظر في إستراتيجية مغايرة يعتمدها المثقفون للتخلص من تبعات فشلهم وتوحدهم المرضي وإنعزالهم وتقوقعهم، وهو ما لا أظنهم يستطيعونه، فقد غلب الحكم الجائر والفوضى والفساد والتطرف على العقول والنفوس والضمائر، وإنتهى الدور التنويري للمثقف إلا في إطار إندماجه مع ثقافة المجموع الشوهاء.