لن أطالب باستقالة الوزير!
أعرف ان القيامة ستقوم على وزير التربية في تعليقات اليوم وقد اتصل بي أصدقاء أمس يريدون مقالا حاميا على خطأ أمس وبعضهم لا يريد أقلّ من استقالة الوزير! وأنا مضطر أن أخيب ظنّ هؤلاء لأنني حقيقة لا أرى ان ما حصل بهذه الخطورة، حتّى لو أنه سبب ارباكا قويا، ولا اعرف ما الذي جرى بالضبط حتى ظهرت هذه "الخربطة" في الأرقام (لم تشمل طلبة الدراسة النظامية)، لكن على الفور كان يمكن ملاحظة أن خطأ فنيا حصل في مرحلة معالجة البيانات، لا يمس النتائج الفعلية التي كانت ستعود للظهور على كل حال، لكن التوتر الزائد في هذه الظروف عند الطلبة وأهاليهم ضخم ردود الفعل.
وطبيعة الخطأ الفنّية البحتة الكترونيا لا تبرر تحمل الوزير اي مسؤولية، لكن بالطبع وكما صرح رئيس الوزراء فيجب تقصّي ما حصل ومعاقبة أي مسؤول يظهر من التحقيق مسؤوليته عمّا حدث.
قد لا يعجب هذا الكلام أهالي طلبة دفعوا من أعصابهم خلل أمس، لكن لنقل بصراحة إنه لم تكن هناك مخاطر من اي نوع على النتيجة الحقيقية لأبنائهم لو أخذوا الأمر بهدوء وانتظروا لبعض الوقت؟! بكل أمانة لا أرى في ما حصل أمس أكثر من عارض فنّي لا يقارن بما حصل في امتحان الرياضيات الذي كتبت عنه ثلاثة مقالات، فالقضيّة هناك كانت مبدئية للغاية علميا وتربويا، والأمانة العلمية كانت تقضي الاعتراف بالخطأ أو لنقل بالخلل العلمي في السؤال، لكن المأزق العملي المترتب على هذا الاعتراف منع المسؤولين من ذلك، وتمّ توريط الوزير ممن حوله باختيار طريق السلامة، فكان الإنكار في البداية ثم البحث عن معالجة داخلية غير معلنة، وبالفعل حتّى الساعة لم نعرف ماذا كانت طريقة المعالجة وكيف تمّ تطبيقها.
وقد يكون خطأ أمس أثار هرجا ومرجا أكثر وتابعنا مظاهر الغضب والاحتجاج، لكن ضميريا لا أستطيع أن أقول أن هناك قضيّة جدّية في الجوهر، فالخطأ فنّي في محطّة معينة، ولم يكن سيترتب عليه شيء. وثمّة فرق بين الارتباك اثناء الامتحان بسبب خلل في الأسئلة وبين الارتباك بسبب تأخر الحصول على النتائج.
فحص التوجيهي ما يزال فنّيا على درجة جيدة من الكفاءة، لكن الهمّ الكبير والحقيقي أمام الوزير هو اجتراح رؤية جديدة أكثر عملية من حيث ربط قدرات الطالب وميوله بالخيارات اللاحقة لنوع الدراسة الأكاديمية. أمّا التحدّي الآخر الأبعد مدى فهو التطوير التربوي الذي نعرف أن الوزير ينحاز له، التطوير في التدريس وفي المناهج التي أحلّت على مدار 3 عقود التلقين باليقينيات محل التحفيزعلى التفكير النقدي والعلمي، ونعرف أن التغيير ليس بالشيء الذي ينجز بين يوم وليلة لكن يجب البدء بعزيمة راسخة ووجهة ثابتة للسنين المقبلة.