الحرب في سوريا وعليها من منظور أعــداد الضـحـايـا وتـوزيعـاتهـم

تم نشره الجمعة 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:49 صباحاً
الحرب في سوريا وعليها من منظور أعــداد الضـحـايـا وتـوزيعـاتهـم
عريب الرنتاوي

لم تتوقف أطراف في المعارضة السورية «المعتدلة» وداعموها الإقليميون والدوليون عن توجيه أصابع الاتهام للنظام في دمشق، بالتسبب والمسؤولية عن مقتل أزيد من 200 ألف مواطن، منذ أن اندلاع الأزمة السورية في آذار/ مارس من العام 2011 ... لم يتوقف أحدٌ عن «تفاصيل» هذه الأرقام، من القاتل من القتيل ... إلى أن بدأت بعض مراصد حقوق الإنسان السورية المعارضة، بنشر معلومات عن «توزع» الجثث والضحايا على المحاور والمعسكرات المتقاتلة.
آخر هذه المعلومات، تلك التي صدرت عن المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، والذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، وبات مرجعاً معتمداً عن الأحداث في سوريا، تتصدر تقاريره نشرات الأخبار، ويظهر مديره على مختلف الشاشات، باستثناء تلك التي لا «تطربها» أرقام المرصد، وتفضل عليها مصادر أخرى، تلجأ عادة إلى الإفراط في المبالغة وتضخيم الخسائر.
من أصل ما يزيد قليلاً عن المائتي ألف قتيل، هم ضحايا الحرب في سوريا وعليها (وهو الرقم المعتمد من الأمم المتحدة حتى الآن على الأقل)، فإن حصة النظام وحلفائها من هؤلاء، فاقت المائة والعشرين ألف قتيل، جلهم من جنود وضباط الجيش السوري، والبقية من المنظمات والتشكيلات شبه العسكرية المؤيدة له، بمن فيها العناصر الأجنبية التي وفدت إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام، وهذا الرقم يزيد عن 60 بالمائة من إجمالي أعداد قتلى الحرب والمعارك.
لم ينشر المرصد معلومات عن أعداد قتلى المسلحين المعارضين، لكن تقديرات سابقة تفترض أن العدد لا يقل عن أربعين ألفاً، ما يرفع حصيلة القتلى العسكريين والمسلحين من الجانبين إلى 160 ألفاً، ويبقي على ما بين 40 – 50 ألف قتيل بين المدنيين (حوالي الربع فقط)، موزعين على البيئات الحاضنة لكل من النظام ومختلف صنوف المعارضات والمليشيات السورية والوافدة ... وهذه من أدنى النسب في مختلف الحروب الأهلية وغير الأهلية، على ما نعرف.
من قتل هؤلاء، وجميعهم من المسلحين والمقاتلين، وهل يمكن اتهام النظام بالتسبب في مقتل جنوده وضباطه، وأية حرب أهلية أو «انتفاضة» شعبية، تفوق فيها أعداد القتلى من الجنود ورجال الأمن، عن أعداد القتلى من المسلحين في الخنادق الأخرى المعارضة؟ ... عن أية ثورة شعبية نتحدث، طالما أن أعداد المسلحين القتلى على الجانبين، هي أضعاف أعداد المدنيين الذين أزهقت أرواحهم في المعارك والمواجهات ... جرت العادة أن تفوق أعداد الضحايا المدنيين بمرات، أعداد الضحايا العسكريين، لكن المسألة في سوريا تبدو مغايرة تماماً، ما يطرح أسئلة من نوع: أين هي الثورة الشعبية، وعن أية ثورة تتحدثون؟
من يستمع لبعض وسائل الإعلام المجندة في حروب المحاور والمذاهب والمشايخ، يظن أن الشعب السوري قد بات قاب قوسين أو أدنى من الانقراض، لفرط ما تستمع لأرقام تتطاير هنا وهناك عن الضحايا المدنيين، الذي لا يسقطون (سبحان الله) إلا بقذائف النظام وبراميله المتفجرة، في حين لا تنطلق رصاصات المعارضة وقذائفها إلا باتجاه صدور المليشيات والشبيحة و»الجيش الأسدي» ... أرقام المرصد السوري، تقول شيئاً مغايراً، وتتحدث عن حرب استنزاف وتدمير للبنية العسكرية والأمنية لسوريا، وعن نجاحات كبيرة يجري تحقيقها على هذا الصعيد.
خلال الأشهر الخمسة الأولى، أي مرحلة ما بعد أداء الأسد لليمين الدستورية لولاية ثالثة، سقط قرابة الـ 11 ألف قتيل في سوريا، وبمعدل أكثر من ألفي قتيل في الشهر الواحد، أكثر من نصف هؤلاء من القوات النظامية ومقاتلي حزب الله وميلشيات ووحدات حماية شعبية مؤيدة للنظام، وهذه النسبة تقترب من المعدل العام لتوزيع ضحايا الحرب على الطرفين المتحاربين كما أوردها المرصد المذكور.
لقد سبق وأن تنبهنا لهذه الظاهرة الفريدة في تاريخ الحروب الأهلية والمعارضات والانتفاضات الشعبية، وكتبنا في هذه الزاوية بالذات، تحليلاً مماثلاً قبل عدة أشهر ... يومها فوجئنا بتعليقات دبلوماسيين وسياسيين، مستغربة بل ومستهجنة، حيث درجت على أخذ الأخبار على علاتها، ومن مصادر، لم تكن يوماً موضع ثقة أحد، بمن فيها أصحابها والقائمون عليها ... اليوم، يأتي تقرير المرصد ليذهب في الاتجاه نفسه، وليعطي صورة «رقمية» عمّا يجري في سوريا، ومن يذبح من، ومن هم المسؤولون عن قتل كل هذه الأعداد الغفيرة من السوريين، جنوداً كانوا أم مسلحين أم مواطنين أبرياء.
«نصيب الأسد» من الضحايا كان من «حصة الأسد» وحلفائه، ومع ذلك لم نر المتفجعين على «الشعب الشقيق» الذين استيقظت إنسانيتهم فجأة ومن دون مقدمات، يكلف نفسه عناء البحث في الأرقام وتوزيعاتها ... لم نجد من يؤشر بأصابع الاتهام إلى «امراء الظلام وشيوخه»، أو إلى الأنظمة العربية والإقليمية، التي جعلت من سوريا ساحة تصفية حسابات وصندوق بريد لتبادل الرسائل الإقليمية الدامية.

الدستور 2014-12-19



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات