من "الإنساني" الملتبس بالدين إلى "الأنسنة"

تم نشره الجمعة 19 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:52 صباحاً
من "الإنساني" الملتبس بالدين إلى "الأنسنة"
ابراهيم غرايبة

"وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ" (آل عمران، الآية 78).
تستمد جميع الصراعات الأهلية والدينية القائمة اليوم في البلاد العربية والإسلامية، من أفكار وتقديرات وتأويلات إنسانية للدين، يعتقد أصحابها أنها الدين، وأن مخالفتها تستوجب القتال والصراع، أو العقوبة بالسجن والغرامة والحرمان، وربما الإعدام. يستوي في ذلك المؤسسات الدينية الرسمية القائمة على السلطة والقوانين، والجماعات الوسطية (الإسلام السياسي)، والتي لا تختلف في الفهم والتأويل والتطبيق عن وسطية المؤسسة الدينية الرسمية، والسلفية؛ المعتدلة منها والمتطرفة، والرسمية والخارجة على القانون.
يميز جميع المسلمين وغيرهم أيضا القرآن الكريم على نحو واضح وقاطع، ولا يخلط أحد القرآن بغيره. فلم يصف أحد آية من القرآن بأنها ليست كذلك، ولم يصف أحد نصا ليس قرآنا بأنه كذلك. فالخلاف، إذن، في الفهم والتطبيق والتأويل، وكلها تدور خارج القرآن الكريم. بمعنى أن الصراع والخلاف يدوران حول مفاهيم وأفكار إنسانية، لا يجزم أحد من أصحابها أنها حق نزل من السماء كما القرآن، ولا يجزم أحد من أصحابها أن مخالفتها هي خروج عن الدين يستوجب القتال أو السجن والغرامة.
الناس يتقاتلون اليوم، ويموتون ويجرحون ويسجنون ويعاقبون ويهجرون بالجملة، في كل أنحاء العالم الإسلامي، لأجل أو حول أفكار ومفاهيم يقول أصحابها إنها الدين أو أنها لأجل الدين. وفي الوقت نفسه، فإن أحدا من القتلة أو المقتولين، السجانين أو المسجونين، لم ينكر آية من القرآن، ولم يضف إلى القرآن شيئا من خارجه وزعم أنه القرآن.. نقاتل لأجل أفكار وتطبيقات إنسانية نعترف أنها فهم الدين وتطبيقه، وليست الدين نفسه، ولا نجزم بصحتها!
وهكذا، يملك المُفتون الرسميون ووزارات الأوقاف والكليات الحكومية لتدريس الشريعة الإسلامية، كما الجماعات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة والوسطية والسلفية والمؤيدة والمعارضة والسلمية والمقاتلة، سلطات ووصاية على الدين وفهمه وتطبيقه بقوة القانون والسلطة، أو بالتأثير والدعوة، أو بالتمرد ومقاومة السلطات، لم يخبر بها النص الأصلي الذي يؤمن به الناس. وفي حقيقة الأمر، فإن الذي نطبقه أو لا نطبقه، والذي نتقاتل حوله أو نعاقب بسببه من السلطة، ربما لا يكون الدين الذي نزل من السماء، ولكنه فتاوى وتطبيقات وضعها بشر يخطئون ويصيبون، يعرفون ويجهلون، يعدلون ويظلمون.
ولا بأس، ابتداء، بهذه الحالة في بعدها التطبيقي، ذلك أنه لا يمكن فهم الدين وتطبيقه إلا بأدوات إنسانية؛ من اللغة والفهم والتأويل والتفسير والتجارب والأمثلة. وبما هي إنسانية، فإنه يعتريها حتما الخطأ والجهل، والنقص والهوى والمصلحة، والعدل والظلم، والنسبية وعدم اليقين؛ فلماذا نقدمها على أنها الدين وأنها من عند الله؟ لماذا لا نريح أنفسنا من كل هذا العناء ونعترف لأنفسنا بأن ما نفعله أو نفهمه هو "أنسنة"، وأننا نفهمها ونطبقها على أنها كذلك؟

الغد 2014-12-19



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات