"دُمى" الانتخابات الإسرائيلية

تم نشره السبت 20 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:38 صباحاً
"دُمى" الانتخابات الإسرائيلية
برهوم جرايسي

بات من الواضح أننا أمام انتخابات برلمانية إسرائيلية لا تختلف عن سابقاتها، على الأقل خلال العقدين الأخيرين؛ إن كان بمشهد تشرذم الحلبة السياسية واستمرار حالة عدم الاستقرار، وهذا ما تناولناه هنا في الأسبوعين الماضيين؛ أو ما يثبت حاليا أكثر من قبل، بأن الخيوط الأقوى التي تتحكم بنتائج الانتخابات، وطبيعة المشهد السياسي الذي ستنتجه، بيد كبار حيتان المال المسيطرين على الاقتصاد، وهم على استعداد للتعاون كليا مع أشد اليمين تطرفا، طالما يضمن لهم مصالحهم. وقد برزت ذروة هذا "التحالف" في حكومة بنيامين نتنياهو المنهارة.
في مقال مطول للمحلل السياسي يوسي فيرطير، في صحيفة "هآرتس"، بتاريخ 19 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، وردت فقرة صغيرة، تقول إن طواقم حزب "كولانو" (كلنا)، الذي أنشأه اليهودي الشرقي والوزير السابق من حزب الليكود، موشيه كحلون، تتخوف من أن حزب "يوجد مستقبل" الذي يتزعمه وزير المالية المُقال يائير لبيد، يسعى إلى ردع "متبرعين كبار" عن مساعدة كحلون وحزبه في حملة الانتخابات الحالية، وأن لا يمنحوهما ضمانات مالية.
وكل الحكاية من جهتنا هي "المتبرعون". ففي الانتخابات السابقة، لوّح لبيد بشعارات ذات صبغة اقتصادية اجتماعية، تغازل احتياجات شريحة الطبقة الوسطى. لكن لبيد انقلب على كل شعاراته الانتخابية مع توليه وزارة المالية، وقاد مع نتنياهو سياسة اقتصادية صقرية مناقضة لكل ما طرحه. وبعد أن تكشفت حقيقته، تبيّن أيضا، أن لبيد حظي في حملة الانتخابات تلك بدعم 78 من كبار الأثرياء الذين قدموا له ضمانات مالية بنكية. لكن هذا رأس جبل الجليد.
ونستطيع القول، استنادا إلى وقائع عديدة، منها ما ذكر هنا سابقاً، إن لبيد يركض نحو أولئك "المتبرعين"، وهو "الاسم الحركي" لكبار حيتان المال، لردعهم ومنعهم من دعم كحلون. إذ إن لبيد يريد إقناع كحلون بخوض الانتخابات بلائحة مشتركة معه، لكن الأخير رسمه صنّاع الرأي العام الإسرائيليون باعتباره "نصير الشرائح الفقيرة". فهو اليهودي الشرقي، ابن العائلة الفقيرة، ذي السحنة السمراء، و"اللطيف" المظهر والخطابة، المكثر من إطلاق الشعارات والخطابات التي تثير حماسة المغلوبين على أمرهم، من فقراء وجوعى. وهذا يناقض كليا السياسة الاقتصادية الصقرية القائمة. فكيف يمكن، إذن، أن يحظى كحلون بدعم "المتبرعين"، خاصة أن ما ذكره فيرطير ليس مفاجئا، بل مرتبطا بنبأ آخر ظهر مؤخرا، ومفاده أن كحلون يرأس جمعية ذات صبغة اقتصادية اجتماعية، وراتبه الشهري فيها نحو 11 ألف دولار، أي ما يوازي راتب عضو كنيست، ويقارب سبعة أضعاف معدل الرواتب الفعلي في إسرائيل. وهي جمعية تتلقى أيضا دعما سخيا من "المتبرعين" ذاتهم؟
الجواب عن تساؤل كهذا، هو ما أثبتته الجولات الانتخابية الأخيرة. فكما أن لبيد كان في الانتخابات السابقة "دمية الكراميش"، التي تتحرك بخيوط "من فوق"، وتكشّف حالها أمام الجمهور بسرعة، ما جعل تاريخ الاستعمال يشارف على الانتهاء، وقد يصمد لجولة انتخابية أخرى على الأكثر، فإن كحلون اليوم، هو "الدمية" الجديدة التي ستلعب الدور ذاته، وتكون عاملا مركزيا في استمرار تشرذم الحلبة البرلمانية، وبما يجعل كل حكومة مقبلة، مهما كبرت قاعدتها الائتلافية، ضعيفة تحتاج لمن يساندها خارج الحلبة البرلمانية، إعلاميا وشعبيا. 
وقد يسأل كثيرون عن علاقة هذا بالجانب السياسي وقضية الصراع. والجواب قدّمته حكومتا نتنياهو الأخيرتان، خاصة المنهارة حديثا. فحيتان المال بحاجة أيضا إلى ذراع سياسية قوية ومتينة تنفذ سياستهم الاقتصادية، وهم وجدوها في شخص نتنياهو وأحزاب اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا؛ فظهر نوع من الاتفاق غير المكتوب، لتبادل مصالح: خذوا ما تريدون من اقتصاد، واتركونا ننفذ سياسة الاحتلال والاستيطان على الأرض، مع ضمان هدوء إعلامي لنا، على الأقل في وسائل الإعلام الكبرى التي تسيطرون عليها.
في الانتخابات القريبة، كما في كل انتخابات، ستصرف الأحزاب ككل مئات ملايين الدولارات على حملاتها الانتخابية، منها نحو 40 مليون دولار تصرفها الخزينة العامة على الأحزاب وفق قوتها، بموجب قانون قائم. لكن قبل ذلك، سيحتاج المرشحون للحصول على مقاعد متقدمة في لوائح الأحزاب الكبيرة المرشحة للمشاركة في الحكومة المقبلة، إلى ملايين كثيرة من الدولارات، كي يخوضوا الانتخابات الداخلية في أحزابهم. وهنا يكون "المتبرعون" إياهم جاهزين؛ ليس حرصا على "المشهد الديمقراطي"، بل طمعا بالمردود "المنشود" من أولئك السياسيين.

(الغد 2014-12-20)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات