موسم غرس الصفصاف في مخيم «ليبرتي»
من أبناء مدينة خرم آباد الإيرانية، مشغول بغرس شجيرات الصفصاف في مشتله في مخيم «ليبرتي» في العراق. والمشتل مليء بغرسات الصفصاف التي يعدها لموسم الربيع المقبل، وهذا دأبه ودأب الجميع، فأينما حلوا غيّروا شكلوا الحياة والأرض، فقد حوّلوا صفار الأرض الجرداء في مخيم «أشرف» الى مدينة خضراء، وهذا ما يريد نور مراد وسكان المخيم فعله في أرض «ليبرتي» الميتة. «إنه نضالنا من أجل تطوير حياة الإنسان بشقيها المادي والمعنوي وما يدعم ذلك من إصلاح وتطوير في القوانين والرؤى». ويشرح نور مراد بأنه حصل على بذور الصفصاف بمشقة من خلال شجرة صفصاف قديمة كانت الوحيدة داخل المخيم، وقد أنبت البذور وبعدها بفترة زرعها ووضع الى جانب كل صفصافة يغرسها لافتة صغيرة مكتوب على كل منها اسم شهيد من شهداء المقاومة الإيرانية.
يقول نور مراد إن التطورات التي طرأت على الساحة السياسية بين النظام الإيراني والمجتمع الدولي، عقب جريمة إعدام الفتاة ريحانة جباري شنقاً، تلك الجريمة التي روعت العالم ، تمثل جانباً من حقيقة حياة الشهداء، هؤلاء الذين نهضوا بوجه الظلم والطغيان، وقد أبرزت ريحانة جانباً من معاناة الشعب الإيراني، وهذا حالهم وما ضَعُفُوا وما اسْتَكَانُوا، فهم كشجرة أصلها راسخ وفروعها تنمو وتنتشر في المناخين السياسي والاجتماعي في المجتمع.
ببسمة مليئة بالإيمان والأمل، يشير نور مراد إلى حديقة أخرى إلى جانبه ويضيف: «دعنا نفترض بأنك نجحت في اجتثاث شجيرة عرف الديك وأزلتها، لكن ماذا ستفعل مع الآلاف من بذورها التي انتشرت على تراب الحديقة؟ وماذا ستفعل مع نمو فصائل تلك البذور؟ لا أعرف حقاً ماذا يريد أن يفعل النظام مع هذا النهوض الشبابي المتنامي في المجتمع الإيراني، وأرتأيت أن أصوّر هذا النبات والنموّ والتقدّم النضالي بزرع غرائس في مخيم «ليبرتي» لأحيي بذلك عصيان هؤلاء الشهداء الذين أعدِموا على درب تحقيق الحرية لبلادهم وتصديهم للظلم والطغيان.
وهنا إلى جانب هذه الغرسة تُلاحظ شجرة خضراء ضخمة مكتوب على لافتة إلى جانبها «غلام رضا خسروي» (اسم السجين الذي أعدم من الردهة 350 في سجن إيفين السيء الصيت) وتاريخ غرسها آب (أغسطس) 2014، ويقول نور مراد: «إنني وبغرسي الأشجار في ليبرتي وبرعايتها لتبقى سالمة خضراء فإنني أختار الحياة والنشاط والأمل والقتال بدلاً من منطق الاستسلام والذلة، وبذلك أخاطب هذا النظام الذي يسعى الى قتلنا وقتل الحياة فينا وقام من خلال عملائه المحليين بفرض حصار لا إنساني جائر على ما سموه «مخيم ليبرتي»، ونحن من سيجعله «ليبرتي» رغم أنف العدا، أخاطبهم وأقول لهم إنكم لا تريدون لنا إلا الوهن والموت والزوال ونهاية درب الحرية الذي سلكناه، درب قضيتنا المشروعة، قضية الإنسان والعدالة الاجتماعية. أقول لهم سأبقى شامخاً منتشياً بخوفكم ورعبكم. ولن تزيدني ممارساتكم بحقنا إلا فخراً، رغم حرمانكم لنا من حرية التنقل ومن الذهاب إلى المستشفيات للعلاج وهو حق شرعي لنا».
وبيديه العليلتين يحضر نور مراد التربة حول الغرسة تمهيداً للري، مدندناً بلهجته «اللُرية» الحلوة أغنية «أمي أمي... حان وقت القتال». مرة أخرى يخاطبني ويقول إن «النظام الإيراني لا تهمّه حياة الشعب فهؤلاء الحكام يقولون دع الشعب يمُت! المهم إننا نحصل على القنبلة النووية! دع طفلة في ربيعها الخامس تكون عاملة بناء وتحمل بيديها الصغيرتين البلوك واللبنة والإسمنت! دع وجوه النساء تحترق بالأحماض الكيماوية الحارقة، فالمرأة يجب ألا تنهض وتنتفض ضد العقلية الرجعية ومعاداتها للنساء! معارضو النظام يجب أن يُقضى عليهم في مخيم ليبرتي» فدعهم يموتون! وإذا لم أتمكن بعد من إزالتهم بالصواريخ فسأجعلهم يموتون موتاً بطيئاً بعرقلة نقلهم إلى المستشفيات».
ويختتم نور مراد يوماً حافلاً بالجهد والعمل بقوله: «لا يمكن حجب شمس الحرية بالغربال. فهذه الصفصافات تعلو وتكبر يوماً بعد يوم، وستقص للأجيال المقبلة حكاية حقيقتها الخفية ورسالتها التي هي رسالة البقاء والنمو والخلود. حياة الوفاء والصمود.